خطبة عن (سِلْعَةُ اللَّهِ غَالِيَةٌ.. سِلْعَةُ اللَّهِ الْجَنَّةُ)
يونيو 28, 2025الخطبة الأولى (الفرق بين الفلاح والنجاح)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (3): (5) البقرة.
إخوة الإسلام
الكثير من بني آدم يسعى إلى تحقيق (النجاح)، ومفهوم النجاح ومقصوده يختلف من شخص إلى آخر، فمنهم من يرى أن النجاح هو القدرة على جمع الأموال والثروات، ومنهم من يراه تحقيق التفوق الدراسي والعلمي، ويرى آخرون أن النجاح هو القدرة على تحقيق السعادة، أو أنه تحقيق الاستقرار في الحياة، وآخر يرى أن النجاح يعني القدرة على تحقيق الأهداف والغايات المرسومة، وهكذا.. تختلف الآراء في بيان معنى النجاح، والمقصود منه.
وبداية: فمن المعلوم أن لفظة (النجاح) لم يرد ذكرها في القرآن الكريم، ولكن جاء ذكر (الفلاح) في آيات متعددة، ومنها: قول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (1) المؤمنون، وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (14)، (15) الأعلى، وقال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (9) الشمس، وقال تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (3): (5) البقرة ، وقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) آل عمران، وقال تعالى: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (8) الاعراف، وقال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157) الأعراف، وقال تعالى: (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (22) المجادلة،
وأما في السنة الصحيحة المطهرة، فكثيرا ما وردت لفظة (الفلاح)، وقليلا ما ذُكر النجاح، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فَقَالَ «الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا». فَقَالَ أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ فَقَالَ «شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا». فَقَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فَقَالَ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ. قَالَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ»، وفي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ». وفي سنن أبي داود: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ». وفي المعجم الأوسط للطبراني: (خلق اللهُ جنةَ عدنٍ بيدِه ودلى فيها ثمارَها وشقَّ فيها أنهارَها ثم نظر إليها فقال لها: تكلمي فقالت: قد أفلحَ المؤمنون فقال: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيلٌ). وفي مسند أحمد: (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «اسْتَقِيمُوا تُفْلِحُوا وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةُ وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ». وفيه أيضا: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا يَقُولُ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا»
وقد جاءت لفظة (النجاح) مقرونة بالفلاح في حديث صحيح، فقد روى النسائي: (أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ).
وليكن معلوما: أن كل فلاح هو نجاح، ولكن، ليس كل نجاح فلاحا، فقد يكون الشخص كافرا، ويحقق نجاحا في دراسته وعلمه، ولكن مصيره إلى النار، قال تعالى: (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (126) البقرة، وقال تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (82) التوبة، فهذا نجح في دراسته وعلمه، ولكنه لم يفلح، لأن مصيره إلى النار، قال تعالى: (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (8) الزمر،
وشخص آخر قد يحقق ثروة كبيرة، ولكنه يستخدمها في معصية الله تعالى، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (36) الأنفال، وآخر يحقق أهدافه المرسومة مسبقا، ولكنه غافل عن طاعة ربه، فهؤلاء جميعا في قوانين البشر، وفي نظر بعض الناس هم ناجحون، ولكنهم في نظر الاسلام ومقاييسه ليسوا بمفلحين،
فالمؤمن حريص على تحقيق الفلاح، فإذا حقق الفلاح، فقد حقق النجاح.. فالفلاح: في تحقيق الإيمان، والعمل الصالح، قال تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157) الأعراف، والفلاح: هو الفوز برضا الله عز وجل، وأن يكون قريباً من الله، الفلاح: أي يحمل نفسه على طاعة الله، فالفلاح: نجاح مع الله، الفلاح: نجاحٌ في الفوز في الآخرة، هذا هو الفلاح،
أما تحقيق النجاح بدون فلاح، فقد يكون وبالا على صاحبه، فمفهوم النجاح عند المؤمن هو تحقيق الفلاح، والفلاح عند المؤمن: هو تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى في الدنيا، والفوز برضاه والجنة في الدار الآخرة،
أيها المسلمون
وهكذا تبين لنا أن النجاح عند أهل الكفر: هو أن يحقق الإنسان أهدافه التي رسمها لنفسه، بغض النظر عن ماهية تلك الأهداف، أو سبل تحقيقها، ولكن الفلاح في ديننا: هو أن يحقق المسلم هدفه الأوحد، وهو عبادة الله، وعمارة الأرض، بما يرضي الله، وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل صاحب همة، يريد الفلاح والنجاح في هذه الدنيا، وفي الآخرة، ويكون مقبولاً عند الله، وعند خلقه، وراضياً عن ربه، وربه راضٍ عنه، ومحبوباً عند أهله وذويه وأصحابه، فليحقق الفلاح، ففيه النجاح، فالمفلح من حقق لنفسه ولأهله السعادة في الدارين، فذلك هو المفلح الذي قال الله عنه: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:1،3]، إلى أن قال تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:10،11].
والمفلح الناجح هو من فاز على نفسه، وقهر طغيانها وجموحها، وأما العاجز فهو الذي أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، ففي سنن الترمذي: (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ»، فذلك هو الفشل الأكبر، والخسران المبين، وإن ملك الدنيا وما فيها، قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) (103): (108) الكهف،
أيها المسلمون
إن الإسلام لم يأت إلا لتحقيق الفلاح، والسعادة والنجاح، وقد علق هذا كله على شيء واحد، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97) النحل، وجعل عكس ذلك كله في آية واحدة، فقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه:124]،
فلا تغتروا بأحوال الكفار، ولا تسحرنك وسائل إعلامهم المؤثرة، فتحسب أنهم حققوا السعادة، وعرفوا طريق النجاح، فهؤلاء مستدرجون، وتأمل قول الله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون :55،56]، وقال تعالى :(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) (196): (198) آل عمران
أيها المسلمون
ولكلِّ فلاحٍ أبواب، ولكل صلاح أرباب، ولكلِّ نَجاح أسباب، وإليك آية عظيمة، تحدِّثنا عن أربعة أسباب أساسية للفلاح والنجاح في الدنيا الآخرة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77]: إنه الإيمان، وإقام الصلاة، وعبادة الله، وفِعل الخيرات؛ إنه الخير المطلَق، والجهاد المتواصِل، والرباط المستمرُّ، ليبقى الإنسان في حفظ خالقه، وتوفيق رازقه، وعناية واجده وسيده، يهديه ويُرشده، ويُعينه ويُسدِّده، فافعل الخيرَ مِن أي أبوابه شئتَ، وأبواب الخير كثيرة ومتعددة: ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ – رضي الله عنه – بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ «نَعَمْ. وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ»، وفيه أيضا: (عَنْ عُبَادَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ»، قَالَ الْوَلِيدُ حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ عَنْ عُمَيْرٍ عَنْ جُنَادَةَ وَزَادَ «مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ، أَيَّهَا شَاءَ»،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الفرق بين الفلاح والنجاح)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في سنن الترمذي: (عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ دَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَخْدُمُهُ. قَالَ فَمَرَّ بِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ صَلَّيْتُ فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ وَقَالَ «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ». قُلْتُ بَلَى. قَالَ «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ»، وفي سنن النسائي: (أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ «أَتُحِبُّهُ». فَقَالَ أَحَبَّكَ اللَّهُ كَمَا أُحِبُّهُ. فَمَاتَ فَفَقَدَهُ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ «مَا يَسُرُّكَ أَنْ لاَ تَأْتِيَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ عِنْدَهُ يَسْعَى يَفْتَحُ لَكَ». وفي مسند أحمد: (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُنَجِّي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنَ الهَمِّ وَالْغَمِّ».
فطرق الخير كثيرة، وسبل البر وفيرة، وأبواب العملِ الصالح مشرَعَة، وقد قال أهل العلم: إنَّ أعمالَ البرِّ لا تُفتح كلُّها للإنسان الواحدِ في الغالب، إنْ فُتِح له في شيء منها لم يكن له في غيرها، وقد يُفتَح لقليلٍ من الناس أبوابٌ متعدِّدة، والخير هو كل ما حث الشرع على فعله ،مما يجعل النفس مشرقة، والروح متألِّقة، حين تسمو إنسانيته، وترقى أخلاقه، ويقوم بدوره تجاه الرحمن، فيسمو بالقرآن، ويرقى بالإيمان، ويَعلو بالإحسان.
ففعل الخير يجعلك صاحبَ عطاء، ويُحبِّبك إلى الناس؛ وهو المعامَلة الطيبة التي يحرص الإسلام عليها أن تكون بين أفراد المجتمع، ومن أراد أن يُحَدِّث ربه فليَدْعُهُ، ومن أراد أن يُحدِّثه ربه فليقرأ القرآن، وفي الركوع خضوع لله، وفي السجود طلب العون منه، فعلى كل إنسان أن يحقق الهدف من وجوده: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة:21]، لتكون من المفلحين ولا بدَّ أن تقدم شيئًا مِن مالِك، ومن وقتك، ومن علمك، ومن راحتك، ومن مكانتك، وجاهك، في سبيل الله، فبقدر ما تقدِّم، تسعَد وتفلح، قال تعالى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77]،
الدعاء