خطبة عن (نُكرَانُ الْجَمِيلِ)
يونيو 15, 2025الخطبة الأولى (الْبَغْيُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].
إخوة الإسلام
(الْبَغْيُ) في لسان العرب: هو الظلم، والكبر، ومجاوزة الحدّ، والاستطالة على الناس، والخروج على ولي الأمر، وإلى غير ذلك من صور الظلم، ومجاوزة الحد،
وللبغي صور وأنواع متعددة، ومنها: بغي الإنسان على نفسه، أو على غيره؛ فبغيه على نفسه: يكون بعمل ما يوجب لها العذاب، من الشرك فما دونه من المعاصي، قال الله تعالى عن الكفار من أهل الكتاب: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ البقرة:90، وكان بغي أهل الكتاب سببا في عنادهم وتعنتهم، وتحريفهم لكتبهم، واختلافهم على رسلهم، قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ آل عمران:19.
فالبغي كلمة قبيحة، يجتمع فيمن اتصف بها الكبر، والعلو، والاعتداء، فهو استعلاء بغير حقّ، ومجاوزة النفس قدرها واستحقاقها، وينتج عنه الاعتداء على الغير، وليس غريبا أن تجتمع شرائع النبيين (عليهم السلام) على تحريمه،
ومن صور البغي: أن يسأل الناس ربهم سبحانه وتعالى في شدائدهم، ويعاهدوه على الأوبة إليه، والتوبة من الذنوب؛ فإذا كشف الله تعالى كربهم، ورفع بأسهم، وأزال شدتهم؛ نكثوا عهدهم، وعادوا إلى سابق حالهم، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (22)، (23) يونس،
ومن صور البغي: البغي على الغير، وهو يؤدي إلى ظلم الناس، والعلو عليهم، وبخسهم حقوقهم، كما وقع لقارون الباغي؛ فإنه كان من عامة الناس، فرزقه الله تعالى مالا عظيما، فبغى عليهم بسببه، قال تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾، وكم من صاحب مال وجاه يسير سيرة قارون في بغيه وعلوه على الناس،
ومن صور البغي: الخروج على الإمام العادل، ويكون أصحابه “بغاة” كما في وصف علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) لمخالفيه في معركة الجمل، فقال: “إخواننا بغوا علينا”،
ومن صور البغي: تسلط طائفة من المسلمين على إخوانهم من المستضعفين، قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (9) الحجرات.
ومن صور البغي: الزنا، والاستطالةُ في العرض، قال تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (النور:33). ولذا سميت المرأة الزانية (بغي)، ففي صحيح البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِىٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِى إِسْرَائِيلَ ،فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».
ومن صور البغي: الصد عن سبيل الله تعالى، ومعاداة أوليائه، ومحاربة دينه، فيبغي الانسان على نفسه بحرب الله تعالى، ويبغي على غيره، بإيذائهم وصدهم عن الدين، ومعاداتهم، ومن عادى لله تعالى وليا فقد آذنه الله بالمحاربة، وهو ما يقع من الكفار والمنافقين، المحادين لله تعالى، المعاندين لشريعته، قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (3) إبراهيم.
ومن صور البغي: ظلم الانسان لأقاربه، أو جيرانه، وتستمرّ الدائرة اتساعاً، لتشمل ظلم دولٍ وأقاليم كاملة، قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (42) الشورى.
أيها المسلمون
والإسلام نهى عن البغي بكل صوره وأنواعه، وحذر منه، فهو حرام، وكبيرة من كبائر الذنوب، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل:90]. وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) [الأعراف:33]، وأخبر الله سبحانه وتعالى أن البغي يرجع على صاحبه بالنكال والخسران في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (23) يونس، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْي وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ». فقلما ينجو الباغي بفعلته، ولذلك قيل: (على الباغي تدور الدوائر). وقال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (لَوْ بَغَى جَبَلٌ عَلَى جَبَلٍ لَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْبَاغِيَ مِنْهُمَا دَكًّا)، وفي المستدرك للحاكم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيصيب أمتي داء الأمم فقالوا: يا رسول الله وما داء الأمم؟ قال: الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي)،
وعلى المظلوم الذي بغي عليه أن يأخذ حقه إن استطاع إلى ذلك سبيلا، وينتصف ممن ظالمه بقدر مظلمته، فلا حرج عليه، وفي ذلك قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) [الشورى:39]، ولا ريب أن الدولة مسؤولة عن إنصاف المظلومين، ورفع الظلم عنهم، وإذا كان هناك حكومة ومحاكم، وجهات قضائية، فلا يجوز للأفراد أن يتولوا تنفيذ الأحكام بأنفسهم، وإنما لا بد من الرجوع للقضاء، والتحاكم إلى شرع الله تعالى،
وإذا لم يستطع المظلوم أخذ حقه في الدنيا، فليصبر فإن عاقبة الصبر حميدة، وعاقبة البغي شنيعة، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) [الحج:60]. وكان من دعاء النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ) رواه الترمذي، والمبغي عليه منصور؛ لأن الله تعالى وعد المظلوم المبغي عليه بالنصر، فإن جاوز الحد في الانتصار لنفسه، وبالغ في الانتقام من خصمه، وعاقب بأكثر مما عوقب به؛ فإنه حينئذ ينقلب من مبغي عليه إلى باغ، ويجب إيقافه عن بغيه.
ومن رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين، أنه سبحانه يردهم عن البغي، ويمنعهم أسبابه، ولو طلبوها واجتهدوا في نيلها، فلا يعطيهم ما يتمنون ويسألون من جاه ومال؛ لعلمه سبحانه أنهم يبغون بسبب ذلك، ولجهلهم بدخائل نفوسهم، ومكنون قلوبهم، وما فيها من البغي الكامن قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ الشورى:27.
أيها المسلمون
ومن المعلوم أن البغي من أعظم مغيرات النعم: قال الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (146) الأنعام، وقد أخبر الله تعالى- عن قارون أن الله تعالى أعطاه من متاع الدنيا، ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، وزال ذلك المتاع كله، وخسف الله به الأرض؛ بسبب بغيه، قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) [القصص:76-81]؛
فالبغي ضرره وخيم على العباد؛ فهو يجلب الخصام، ويوجب الذل، لأنه معصية، وقد تكلَّم الحكماء والبلغاء في وصف عاقبة البَغْي، بجُمَلٍ بَلِيغَةٍ بَدِيعَةٍ، تُصوِّر في الأذهان شقاء المتصف به، كأنَّها تقول له: هذا عدوُّك فانظر ماذا تصنع، فمن أقوالهم: (مَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ قُتِلَ به)، (ومن حفر بِئْرًا لِأَخِيهِ وَقَعَ فيها)، (ومن أوقد نار الفتنة كان وقوداً لها)، (على الباغي تدور الدَّوائر)، (ما أعطى البغي أحدا شيئا إلا أخذ منه أضعافه)، (سَمِين البغي مهزول، ووالي الْغَدْرِ معزول).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْبَغْيُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن علاج البغي: التخلق بخلق التواضع، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ». ومن علاج البغي: تذكر عواقبه، فإن عواقب البغي الدمار والهلاك كما تقدم، وكذا تذكر عواقبه يوم القيامة، قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) الأعراف: (146)، وقال تعالى: (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:60]،
ولقد انتشر البغي بين الناس في هذا الزمان، بسبب التنافس على الدنيا ومتاعها وجاهها، وهناك حوادث مفزعة، من البغي على الناس بغير الحق، واسترخاص دمائهم، وردم العروش المتهاوية بجثثهم. فالحذر الحذر من البغي، بقول أو فعل، أو إعانة باغ على بغيه، فالله تعالى قد حرم الظلم تحريما مطلقا، والبغي من أفحش الظلم وأشده، وكلما كان المبغي عليه أكثر إيمانا واستقامة على أمر الله تعالى، كان البغي عليه أفحش، ومن أدعية الصباح والمساء التعوذ بالله تعالى من الظلم والبغي، ففي سنن أبي داود وغيره: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ مَا خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ». ومن تأمل عاقبة أهل البغي وما حل بهم من العقوبة والنكال والذل والهوان؛ خاف البغي، وحاسب نفسه، وأمسك عن كل قول أو فعل فيه بغي على أحد، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (لَقَدْ عَرَفْتُ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَا يُوصَمُونَ فِي نَسَبِهِمْ، مَازَالَ بِهِمْ عَرَامُهُمْ وَبَغْيُهُمْ عَلَى قَوْمِهِمْ حَتَّى أُلْحِقَ بِهِمْ مَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَرُغِبَ عَنْهُمْ، وَاسْتُهْجِنُوا وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّاء).
الدعاء