خطبة عن (وعود الله الكريم لعباده المؤمنين)
يونيو 14, 2025الخطبة الأولى (الله هو الكريم)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) (6) الانفطار، وقال تعالى: (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (40) النمل
إخوة الإسلام
(الكريم) اسم من أسماء الله الحسنى: معنى الكريم: الجواد، وكثير الخير والعطاء، الذي تفضل بالإنعام على خلقه، والكريم: هو الذي يعطي بلا عوض، وبغير سبب، وبغير وسيلة، ويعطي المؤمن والكافر، ويعطي قبل أن يُسأل. والكريم: هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى، ولمن أعطى، ومن صور كرم الله: أن أكرم الله الانسان بالعقل والتمييز والعلم، وفضله على كثير من خلقه، ومن صور كرم الله: أن تفضل الله علينا بالنعم التي لا تعد ولا تحصى، ومن صور كرم الله: حياؤه -سبحانه- من عبده إذا رفع يديه إليه داعيا أن يردهما صفرا، وفي سنن أبي داود: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا». ومن صور كرم الكريم: أنه يغفر الذنوب، ويعفو عن السيئات، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]؛ ومن صور كرم الكريم: أن يبدل السيئات إلى حسنات قال تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان:70]، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا. فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبِهِ فَيُقَالُ عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ نَعَمْ. لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ. فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هَا هُنَا». فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ). ومن صور كرم الله: أنه يضاعف الحسنات إلى أضعاف كثيرة، قال تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة:245]. وفي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً»، ومن صور كرمه سبحانه: أن عطاءاته لا تنتهي: ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ – وَقَالَ – أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ) (لا يغيضها) لا ينقصها ، ومن صور كرم الله: أن يعطي الوالدين حسنات الاطفال الصغار: ففي صحيح مسلم: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ «مَنِ الْقَوْمُ». قَالُوا الْمُسْلِمُونَ. فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ». فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ «نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ».
أيها المسلمون
وحظ المؤمن من اسم الله تعالى الكريم الأكرم: أن يظهر على العبد أثر النعمة: ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يُرَى أَثَرُ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ »، وفي سنن أبي داود: (عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي ثَوْبٍ دُونٍ فَقَالَ « أَلَكَ مَالٌ». قَالَ نَعَمْ. قَالَ «مِنْ أَيِّ الْمَالِ». قَالَ قَدْ أَتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. قَالَ «فَإِذَا أَتَاكَ اللَّهُ مَالاً فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتِهِ». وعلى المؤمن أن يكرم الناس: ففي الصحيحين: (قال النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» . قَالَ وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ)… وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه» حسنه الألباني، وعلى المسلم أن يكون كريم الأخلاق: ففي سنن البيهقي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِيمٌ يُحِبُّ مَعَالِىَ الأَخْلاَقِ وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا»، وعلى المؤمن: أن يلوذ بالكريم عند الكربات: ففي الصحيحين: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ»، وعلى المسلم: أن يكرم القرآن الكريم: فأكرم كتاب الله الكريم (قراءةً وتدبرًا وعملاً)؛ لكي تكون كريمًا عند ربِّ العالمين. وعلى المسلم: أن يكثر الدعاء باسمه تعالى الكريم: فيقول: (يا كريم أكرمنا في الدارين)، ومنه: دعاء ليلة القدر، كما في سنن الترمذي: (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ «قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي »، وعلى المؤمن: أن يحب الله تعالى الكريم، واهب النعم، ودافع النقم، وتتحقق هذه المحبة، بشكره سبحانه بالقلب واللسان والجوارح، وإفراده وحده بالعبادة، والتوكل عليه، وتفويض الأمور إليه، وطلب الحاجات منه وحده سبحانه، لأنه الكريم الذي لا نهاية لكرمه، والقادر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الله هو الكريم)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
من قصص الكرم: قديما كان هناك رجل من الصالحين، وله زوجة سيئة الطباع، وكان له منها من الأولاد ثلاثة، وكان يجاهد نفسه فيها بالصبر من أجل أولاده ويدعو الله لها بالهداية. عندما اقترب عيد الأضحى أكرمه الله بالمال واستطاع أن يُدبر ثمن خروف العيد، قبل العيد بأيام قليلة، فاشترى خروفا كثير اللحم، وقال في نفسه: هذا الخروف سوف يسعد زوجتي وأولادي. وأثناء رجوعه من السوق، وجد في الطريق رجلا عجوزا ملقي علي الطريق، فما كان منه إلا أن طلب من غلام بالطريق أن يأخذ الخروف إلى بيته، وحمل هو الرجل المريض إلى داره ليتمكن من اسعافه.. ذهب الغلام إلي منزل الرجل الصالح، ولكنه أخطأ الدار، وأخذ الأضحية إلى جيران الرجل الصالح وأعطاهم الخروف قائلا: هذه الأضحية لكم.. كان الجيران فقراء لا يملكون المال لشراء الأضحية، فبكوا من شدة الفرحة، وتعلق نظرهم إلي السماء قائلين: رحماك يا رب يا كريم، ظنا منهم أنها من أحد المحسنين.. عاد الرجل الصالح إلى المنزل متعبا، وقد توقع أن يجد أولاده وزوجته فرحين بالكبش، فخرجت عليه زوجته وهي غاضبة وتقول: الجيران الفقراء عندهم خروف الأضحية، ونحن لا نملك شيئا والرجل الصالح لا يدري ماذا يقول لها، بعد أن فهم الخطاء الذي وقع فيه الفتى، وقرر ألا يقطع على الفقراء فرحتهم، وفي نيته أن يتصدق بالخروف عليهم، ولا يخبرهم بما حدث وقال لزوجته: سوف تأتي الأضحية، أنا انتظرها.. وخرج من بيته وظل يسير بالطريق إلي أن وصل إلي بيت الرجل العجوز، ليطمئن عليه، فطرق الباب فوجد ولده. فقال: كيف والدك الآن؟! فقال ابن العجوز المريض: أبي بخير، وأنت منْ أنقذت أبي؟، ثم أدخله الدار، فشكره الرجل العجوز، وأقسم عليه أن يقبل هديته التي كانت عبارة عن: عجل كبير، حاول أن يرد الهدية ولكن الرجل العجوز وكان غنيا أبى وألح عليه، فخرج الرجل الصالح ينظر إلي السماء، والدموع تغرق وجهه بين الفرح، وبين كرم الله عليه، فقد ترك الخروف لوجه الله فعوضه الله بعجل كبير.
الدعاء