خطبة عن (أنا عَمَلُكَ الصَّالِحُ) مختصرة
سبتمبر 25, 2025خطبة عن معنى حديث ( لاَ يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ )
سبتمبر 27, 2025الخطبة الأولى (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) الاعراف.
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله تعالى: (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) الاعراف، وبداية فمعنى (تَبَارَكَ اللَّهُ): (أي تعالى الله، وتعاظم، وتقدس، وارْتَفَع شأنه، وتنزَّه عن كل نقص)، فهو سبحانه ذو الجلال والعَظمة، وقد كثر خيره، ويُتَبَرَّكُ الخلق باسمِه في كُلِّ أَمرٍ، فهو سبحانه تبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها، وبارك في غيره، بإحلال الخير الجزيل، والبر الكثير، فكل بركة في الكون، فمن آثار رحمته، وَلِهَذَا، كَانَ كِتَابُهُ مُبَارَكًا، وَبَيْتُهُ الْحَرَامُ مُبَارَكًا، وَالْأَزْمِنَةُ وَالْأَمْكِنَةُ الَّتِي شَرَّفَهَا مُبَارَكَةً، و(تَبَارَكَ): هي صفة مختصة به سبحانه وتعالى، وقد أطلقها على ذاته، ولا تطلق على أحد غيره،
أيها الموحدون
والمتدبر لقوله تعالى: (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) الاعراف، يجد فيها بيانا على إنه سبحانه الرب الإله العظيم، الخلّاق القدير العليم، الجبار القهار الحكيم؛ فهو الذي خلقنا ولم نك شيئا، وهو الذي رزقنا ولا نملك شيئا، وهو الذي علمنا ولم نكن نعلم شيئا، وهو الذي هدانا لدينه ووفقنا لاتباع شرعه، ونعمه علينا لا تعد ولا تحصى، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:18].
(تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ): فيا رب: أنا الميت الذي أحييته، فلك الحمد.. وأنا الضعيف الذي قويته، فلك الحمد .. وأنا الصغير الذي ربيته، فلك الحمد.. وأنا الفقير الذي أغنيته، فلك الحمد .. وأنا الضال الذي هديته، فلك الحمد .. وأنا الجاهل الذي علمته، فلك الحمد .. وأنا الجائع الذي أطعمته، فلك الحمد .. فلك الحمد حباً وشكراً، ولك الحمد يوماً وعمراً، ولك الحمد دائماً أبداً.. ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
(تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ): فعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانَ (سفيان الثوري) يَدْعُو فَيَقُولُ: (تَمَّ نُورُكَ فَهَدَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ, وعَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ, وَبَسَطْتَ يَدَكَ فَأَعْطَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ, رَبَّنَا وَجْهُكَ أَكْرَمُ الْوُجُوهِ، وَجَاهُكَ خَيْرُ الْجَاهِ، وَعَطِيَّتُكَ أَفْضَلُ الْعَطِيَّةِ وَأَهْنَأُهَا، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتَشْكُرُ، وَتُعْصَى رَبَّنَا فَتَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتَ، وتُجِيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتَشْفِي السَّقِيمَ، وَتُنْجِي مِنَ الْكَرْبِ، وَتَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَتَغْفِرُ الذُّنُوبَ، لا يَجْزِي بِآلائِكَ وَلا يُحْصِي نَعْمَاءَكَ قَوْلُ قَائِلٍ).
أيها المسلمون
والمتدبر لقوله تعالى: (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) الاعراف، يجد أن البركة كلها لله تعالى، وهي منه سبحانه، فهو المبارك، ومن ألقى عليه بركته فهو المبارك؛ فهو سبحانه المتبارك في ذاته الذي يبارك فيمن شاء من خلقه. وقد ذُكر الله سبحانه وتعالى تباركُه في مواضع عدة من كتابه الكريم، وكلها تدل على عظمته وقدرته، ورحمته بخلقه كما في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]. وذُكِر تباركُه سبحانه في مقام بيان ملكه، وقهره وقدرته عز وجل، وابتلائه لعباده، وتحديهم وتعجيزهم، فقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ * الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك:1-4]. وذكر تباركه سبحانه في مقام بيان آلائه ونعمه على خلقه؛ ليعلموا أن تسيير الكون، وتسخير ما في الأرض لهم، وإغداق النعم عليهم؛ غايتُه: (عبادة الله تعالى وحده لا شريك له)، فقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر:61- 64]. وذُكِر تباركُه سبحانه في مقام ذكر عجائب صنعه، وتدبيره في خلقه، ويدعو العبد للتفكر والشكر لرب العالمين، فقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان:61-62]. وذُكِر تباركه سبحانه في مقام خلق الإنسان، وانتقاله من طور إلى طور في بطن أمه، وانتقاله في الدنيا من طور إلى طور حتى الموت؛ مما يدله على ربه سبحانه، ويُعرِّفه بعظمته عز وجل، ويزيد في إيمانه، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12 -14]. وذكر تباركه سبحانه في مقام بيان سعة ملكه وعلمه، وتصرفه في خلقه بما يشاء، فقال تعالى: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزخرف:85]. وذكر تباركه سبحانه في مقام بيان كرمه وجلاله، بعد أن ذكر سبحانه جملة من أوصافه وآياته، وما أعده تعالى للمؤمنين في جناته، مما يدل على جزيل عطائه وعظيم كرمه؛ فقال سبحانه: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:78]. وذكر تباركه سبحانه في مقام بيان نفاذ مشيئته وإِرادته، والرد على المشركين المستكبرين، الذين يريدون أن يُبعث الرسول على أوصافهم وأهوائهم، فقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان:10]. وذكر تباركه سبحانه في مقام بيان تنزل القرآن، وعظمته وشرفه، وأنه نذير للناس، وبيان ربوبية الله تعالى وألوهيته وقدَره وقدرته، فقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:1،2].
أيها المسلمون
وقوله تعالى: (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (54) الاعراف، فمن تأمل بعين البصيرة الآيات التي ذكر فيها تبارك الرب سبحانه وتعالى، ونظر إلى سياقاتها؛ علم ما فيها من العلم والعمل، فيعلم ربوبية الله سبحانه وتعالى وتفرده بالخلق والتدبير والتسخير والقهر والتقدير، ويعلم ألوهيته عز وجل، وأنه لا معبود بحق سواه؛ فمن تبارك بذاته، وبارك مخلوقاته؛ لحري أن يمتلئ القلب به عبوديةً وذلا، ومحبة وتعظيما، ورجاء وخشية، وأن يُفرد بالعبادة وحده لا شريك له، وحري أن يُطاع فلا يعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يكفر.
ومن أيقن بمباركة الله تعالى ما شاء من خلقه، طلب البركة منه في نفسه وأهله، وولده وماله ووقته؛ وذلك بطاعته عز وجل، والبعد عن معصيته، وكثرة القراءة في كتابه، وحفظه وتدبره، والعمل به؛ فإنه كتاب مبارك، تلحق البركة كل من لزمه، وتمسك به، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
وإذا بارك الله تعالى عبدا تعدى نفعه غيره، وبلغت بركته آفاق الأرض، وقد قال المسيح عليه السلام: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:30-31]. وهذا يفسر بركة دعوات الرسل عليهم السلام؛ فهي قد بقيت على مرِّ التاريخ، وعمت أرجاء الأرض، كما حج الناس بأذان الخليل عليه السلام قريبا من أربعة آلاف سنة، ووحدوا الله تعالى بدعوة حفيده محمد صلى الله عليه وسلم ألفا وأربع مئة سنة، بينما ظهرت دعوات باطلة كثيرة؛ اشتعلت وانتشرت، واشتهرت ثم طفئت، وما الشيوعية والاشتراكية عنا ببعيد.
وتأملوا بركة بعض العلماء في الإسلام، بما أنتجوا من العلم الكثير في العمر القليل، وتأملوا دعوة بعض الدعاة، وكيف غلبت جيوش المنصرين، وانظروا إلى جهود علماء السنة في نشرها، وكيف غلبت بجهد قليل بدع المحرفين، إنها بركة إصابة الحق.
وانظروا إلى البركة في الإسلام، وهو ينتشر انتشارا عظيما، حير الأعداء؛ لأنه دينُ من تَبارك بذاته سبحانه، وكم من عمل قليل، لكنه حق، باركه الله تعالى، فلا تحصى بركته، وكم من عمل كثير، وجهد عظيم، وخطط جبارة لأهل الباطل، ذهبت هباء منثورا؛ لأن البركة منزوعة منها، بسبب أنها ضد دينِ من تَبارك وتعالى، وفي ذلك آيات للمتوسمين.
فلا يخاف أحد على حق، يراه يضعف، ولا يفرح بباطل، يراه ينتفش؛ فالحق مبارك، والباطل ممحوق، يقول تبارك وتعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء:81].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
جاء على لسان نبي الله عيسى (عليه السلام) قوله: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (30)، (31) مريم، فكن أنت أيها المسلم مباركاً أينما كنت: فانتماؤك لدينك علامة على فوزك وفلاحك، وإصلاحك وصلاحك، وتفوقك ونجاحك، فحوّل ذلك إلى أعمال فاضلة مثمرة، واجعل من انتسابك للإسلام مواقفَ خالدة، وبرهان على صحة إيمانك، وذلك بصلاح أعمالك.
كن مباركاً أينما كنت: فالملتزم بشرع الله تعالى، هو ثروة هائلة؛ ولكنها قد تكون مهدرة، وعملة نادرة؛ ولكنها مهملة، وكنز عظيم؛ ولكنه مدفون، وجهاز عجيب؛ ولكنه معطَّل، وذلك حينما لا يقترن الإيمان بعمل صالح، فحينها تكون مواهب مقتولة، وطاقات مكبوتة، فهل عرفتَ قيمة نفسك؟ واستفدت من قدراتك؟
كن مباركاً أينما كنت: فمَن للبشرية، ينتشلها من المستنقعات الآسنة، والجاهلية المعاصرة، إلا أهل الإسلام، وحملة الرسالة، ودعاة الحق، فهم وحدهم المسئولون أمام الله عن هذا الدين، فلن يُنزل الله إلينا ملَكاً من السماء، ولن يُرسل إلينا رسولاً، فإنْ تخلّينا عن هذه المسؤولية، وفرّطنا في تلك الأمانة، ولم نؤدِّ ما يجب علينا تجاه ديننا، فلننتظر العقوبة العاجلة، قال تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (38) محمد، وقد تكون العقوبة الحرمان من نعمة الهداية؛ لأننا لم نرعها حقَّ رعايتها، ولم نشكر الله عليها.
كن مباركاً أينما كنت: فكم سمعنا بمستقيمين انحرفوا، وصالحين فسدوا، ومهتدين ضلوا وانتكسوا؛ وما ذلك إلّا لأنهم لم يأخذوا الكتاب بقوة، فتولوا عن طريق الهداية بسبب ذنوبهم، قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ المائدة:49،
كن مباركاً أينما كنت: فالبعض يتحول إلى أبواق، يردد الشكاوى، ويكثر الأنين، ويكتفي بندب حال المسلمين، ويتسخط من ظلم الظالمين، دون المساهمة في أعمال إيجابية، أو مشاريع عملية، قال ابن القيم رحمه الله: (فإن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حلَّ، ونصحه لكل من اجتمع به، قال الله تعالى إخباراً عن المسيح عليه السلام: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ (31) مريم أي معلّماً للخير داعياً إلى الله، مذكرا به، مرغباً في طاعته، فهذا من بركة الرجل.
الدعاء