خطبة عن حديث (ادخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ)
سبتمبر 24, 2025خطبة عن (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)
سبتمبر 25, 2025الخطبة الأولى (الفرق بين الفلاح والنجاح) مختصرة
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (1) المؤمنون، وقال تعالى: (أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (22) المجادلة، وقال تعالى: (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (77) الحج.
إخوة الإسلام
كثيرا ما نسمع من يقول: فلان (ناجح) في دراسته، أو في تجارته، أو في عمله ومنصبه، أو فلان نجح في تكوين ثروة مالية كبيرة، أو نجح في الانتخابات، وهكذا..
فالنجاح في نظر بعض الناس، وقوانين البشر، معناه: تحقيق الأهداف، والوصول إلى الغايات، دون النظر إلى النتائج والمآلات، ولكن، إذا تناولنا هذا الأمر من منظور اسلامي، فإن الوضع سيختلف، فمن العجيب أن كلمة (نجح) أو (مشتقاتها)، لم تذكر في القرآن الكريم قط، وقد ورد ذكرها مقرونة بالفلاح في حديث واحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في سنن النسائي: (أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ).
فالقرآن الكريم والسنة المطهرة لم يُذكر فيهما النجاح منفردا، ولكن ذكر فيهما: (الفلاح) في مواضع متعددة، كما في قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (104) آل عمران، وفي السنة المطهرة، جاء في صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ». وفي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- .. يَقُولُ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا»، فما جاء ذكره في الكتاب والسنة (الفلاح) وليس (النجاح)،
والسؤال: لماذا؟، وما الفرق بين الفلاح والنجاح؟، والجواب: النجاح: هو القدرة على تحقيق الأهداف، دون النظر إلى الحلال والحرام، أما الفلاح: فهو تحقيق الأهداف المشروعة، للفوز في الدنيا والآخرة، وفق الضوابط الشرعية، طاعة لله تعالى، والفوز برضا الله والجنة.
وعلى هذا المفهوم: فقد ينجح عالم من علماء الكفار في تحقيق أهدافه في اختراع يخدم البشرية، فهل هو فاز وأفلح، الاجابة لا، لأن نجاحه لم يدخله الجنة، واختراعه هذا سوف يوفى عليه أجره في الدنيا، فعن أعمال الكفار النافعة، قال تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) (23) الفرقان، وقال تعالى: (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (8) الزمر، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا».
وقد ينجح مسلم في جمع ثروة مالية كبيرة، من الحلال أو الحرام، ويراه البعض أنه محظوظ، ولكنه منع حق الله في إخراج الزكاة، واستعمل أمواله في معصية الله، وبغى وتكبر بماله على خلق الله، فهل نعتبر هذا ناجحا، كلا والله، فسوف يسأل عن ماله يوم القيامة، من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وقال تعالى: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (35) التوبة، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي ذَرٍّ – رضي الله عنه – قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ – أَوْ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ – مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ»،
هذه بعض الأمثلة، والخلاصة: ليس كل نجاح فلاح، ولكن، كل فلاح فهو نجاح، فكل من حقق أهدافه المشروعة، لينال رضا الله والجنة، فقد فاز وأفلح، وأما من حقق أهدافه في غير طاعة الله، فقد خاب وخسر، قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (103)، (104) الكهف،
فالمؤمن حريص على تحقيق الفلاح، فإذا حقق الفلاح، فقد حقق النجاح.. فالفلاح: في تحقيق الإيمان، والعمل الصالح، قال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157) الأعراف، والإسلام لم يأت إلا لتحقيق الفلاح، والسعادة، قال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (19) الاسراء، وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97) النحل، وجعل عكس ذلك كله في قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه :124]،
فلا تغتروا بأحوال الكفار، فتحسبوا أنهم حققوا السعادة، وعرفوا طريق النجاح، فهؤلاء مستدرجون، قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون :55،56]، وقال تعالى: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ) (196): (198) آل عمران ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الفلاح والنجاح)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن لكلِّ فلاحٍ أبوابا، كما أن لكلِّ نَجاح أسبابا، فمن أسباب الفلاح، ما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج:77]: إنه الإيمان، وإقام الصلاة، وعبادة الله، وفِعل الخيرات؛ فيبقى المسلم في حفظ خالقه، وتوفيق رازقه، وعناية واجده، يهديه ويُرشده، ويُعينه ويُسدِّده، فافعل الخيرَ مِن أي أبوابه شئتَ،
وأبواب الخير كثيرة ومتعددة: ففي صحيح البخاري: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ».
وفيه أيضا: (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ، أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ»،
الدعاء