خطبة عن (المَكْرُ والِخداعُ)
يوليو 28, 2025خطبة عن (الْغَدْرُ)
يوليو 30, 2025الخطبة الأولى (تحكيم شرع الله تعالى)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (49)، (50) المائدة، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (36) الاحزاب.
إخوة الاسلام
لقد خلق الله الجن والإنس لعبادته، فقال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، والعبادة تقتضي: الانقياد التام لله تعالى، أمرا، ونهيا، واعتقادا، وقولا وعملا، وأن تكون حياة المرء قائمة على شريعة الله، يحل ما أحل الله، ويحرم ما حرم الله، ويخضع في سلوكه وأعماله وتصرفاته كلها لشرع الله، متجردا من حظوظ نفسه، ونوازع هواه، ويستوي في هذا الفرد، والجماعة، والرجل، والمرأة، فلا يكون عابدا لله من خضع لربه في بعض جوانب حياته، وخضع للمخلوقين في جوانب أخرى، وهذا المعنى يؤكده قول الله تعالى :(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65]، وقوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]، وما روي عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله ﷺ قال: (لا يُؤمِنُ أحدُكُم حتَّى يكونَ هواهُ تَبَعًا لما جئتُ بهِ) معارج القبول.
وعلى هذا فلا يتم إيمان العبد إلا إذا آمن بالله، ورضي حكمه في القليل والكثير، وتحاكم إلى شريعته وحدها، في كل شأن من شئونه، في الأنفس، والأموال، والأعراض، وإلا كان عابدا لغيره، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل :36]، فمن خضع لله سبحانه، وأطاعه وتحاكم إلى وحيه، فهو العابد له، ومن خضع لغيره، وتحاكم إلى غير شرعه، فقد عبد الطاغوت، وانقاد له، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكََ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء:60]، فبين تعالى أن الحكم بغير ما أنزل الله هو حكم الجاهلين، وأن الإعراض عن حكم الله تعالى سبب لحلول عقابه، وبأسه، الذي لا يرد عن القوم الظالمين، يقول سبحانه: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:49-50]
فتحكيم شرع الله في كل شؤون الحياة أمر ضروري، لصلاح هذه الحياة واستقرارها، وقد دل على هذه الضرورة العقل والشرع معاً؛ أما العقل فهو قاض بأن هذا الخالق العظيم الذي أتقن كل شيء صنعه، أعلم بخلقه وبما يصلحهم وما يفسدهم، وقاض كذلك بأن هذا الخالق العظيم الذي دل إحسانه إلى خلقه بالنعم على رحمته ورأفته بهم، لا يمكن أن يكون في تشريعه إلا ما هو كفيل بتحقيق سعادة الدارين لهم.
وأما الشرع فقد دل على أن تحكيم شرع غيره سبحانه وتعالى يعني اتخاذ هذا الغير إلهاً مع الله أو من دونه، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى :21]، وبهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]، ففي سنن البيهقي: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَفِى عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ. قَالَ :«أَجَلْ وَلَكِنْ يُحِلُّونَ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَيُحَرِّمُونَهُ فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ». وإذا كان اتخاذ الآلهة مع الله يفسد على الناس آخرتهم، فإنه يفسد عليهم دنياهم كذلك، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]، فدل هذا على أن اتخاذ شرع غير شرع الله سبب عظيم من أسباب الفساد واختلال الأمور.
أيها المسلمون
والسؤال: كيف يحكم المسلم شرع الله في نفسه، وبيته؟، والجواب: يكون ذلك بالحكم بما أنزل الله يعني: أن تكون الشريعة الإسلامية منطلَق المسلم في جميع شؤون حياته، الفكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها، وحاكمة على جميع أحواله، ومرجعه في كل أموره، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام:162،163). فالواجب على المسلم أن يخضع للشرع في نفسه، وفي علاقته بغيره، وكل من ولي ولاية على غيره، فهو مُطالب بالحكم بما أنزل الله، سواء كانت ولايته في حكم البلاد، أو كانت في التربية، أو الدعوة، أو القضاء في الدماء، أو الأعراض، أو الحقوق، أو الإصلاح بين الناس، وغير ذلك، قال ابن تيمية: “كل من حكم بين اثنين فهو قاض، سواء كان صاحب حرب أو متولي ديوان، أو منتصباً للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط، فإن الصحابة كانوا يعدونه من الحكام” فالحكم بما أنزل الله ليس خاصاً بحكم البلاد، كما قد يتوهمه بعضهم، وإن كان هو أعظم الحكام والمسؤولين.
والحكم بما أنزل الله: يعني التعبد لله سبحانه وتعالى في كل شأن من شؤون الحياة: للفرد والأسرة والمجتمع والدولة فيدخل فيه: إقامة الصلوات، وإعمار المساجد، وإتاحة الدعوة إلى الله، وتعليم دينه وبيان الأحكام الشرعية في مختلف المجالات، ورفع الظلم وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وحفظ الأمن ومحاربة الفساد بجميع صوره، ورعاية أمور الناس في أموالهم ومصالحهم وفض النزاعات بين الناس. وإيمان العبد لا يكتمل إلا بالرضا والتسليم لحكم الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب:36).
وتحكيم المسلم لشرع الله تعالى يكون في نفسه، وبيته، وفي عباداته، ومعاملاته، وأخلاقه، واجتناب المحرمات: من الزنا، والخمر، والربا، وغيرها من الأمور التي نهى الله عنها، مع تربية الأبناء على تعاليم الإسلام والأخلاق الحميدة، وتعليمهم القرآن والسنة، واختيار الزوجة الصالحة، والسكن الحلال، وتجنب السكن في الأماكن المشبوهة، أو التي فيها معاصي، مع الاستقامة على منهج الله في جميع شؤونه، والتوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستعانة بالله في جميع أموره، والتوكل عليه، وبذلك، يكون المسلم قد طبق شرع الله في نفسه وبيته، وحقق السعادة في الدنيا والآخرة.
أيها المسلم
إن لم تُقم شرعة ربك في نفسك، وبيتك، ومحيطك، فأنت أعجز من أن تفكر، أو حتى تحلم أن يكون لك دولة على أرضك، فقيام دولة العدل في ذواتنا، هي البذرة الأولى لقيامها حقيقة على أرضنا، فعندما تكون الأنصاري الذي ينصر أخاه، ويقاسمه رغد العيش وقسوته، وعندما تكون المهاجري الذي يبذل الروح والمال بل والولد في سبيل رسالته، تقم وقتها دولتك. وعندما تجتث الاستبداد في فكرك وقلبك قبل محاربته على الأرض، وقتها يكون لك سلطان عادل، وعندما تتحرر من الجاهلية في عاداتك وتقاليدك، ودقائق أمورك التي تترعرع في تربة قلبك، يسطع نور رسالتك على من حولك، فما ارتقاء وتحرر المجتمعات إلا بتحرر وارتقاء أفراده . وتيقن أن الله لن يحاسبك على عدم قيام الدولة في زمانك، وعلى أرضك، ولكنه سيحاسبك على الغفلة عنها في قلبك وبيتك، وعلى من هو تحت ولاية أمرك، فلن تقوم للإسلام دولة على أرضنا، ما لم يسبقها قيام دولة في قلوبنا وأفكارنا، ويكفيك أن تكون كأبيك إبراهيم (عليه السلام)، فقد كان بإيمانه متفرداً متميزاً ساطعاً ،في وسط واقع يموج بالكفر والضلال، وتأمل ثناء الله سبحانه وتعالى عليه بقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (تحكيم الشرع)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ولا شك أن تنحية شرع الله تعالى، وعدم التحاكم إليه في شؤون الحياة، من أخطر وأبرز الانحراف في مجتمعات المسلمين، وقد كانت عواقب الحكم بغير ما أنزل الله في بلاد المسلمين ما حل بهم من أنواع الفساد، وصنوف الظلم والذل والمحق. قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء:65]. وفي سنن ابن ماجه: (عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ المُهَاجِرِينَ خِصَالٌ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيْتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِالله أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المَؤُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ الله وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلّطَ الله عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا كَانَ في أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ الله عز وجل وَيَتَحَرَّوْا فِيمَا أَنْزَلَ الله إِلاَّ جَعَلَ الله بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ». وفي رواية: “وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر”. ولذا قال الإمام ابن القيم: “لما أعرض الناس عن تحكيم كتاب الله والسُنَّةِ والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ؛ عرضَ لهم من ذلك فسادُ فِطَرِهم، وظُلمةٌ في قلوبهم، وكَدرٌ في أفهامهم، ومحقٌ في عقولِهِم، وعَمَّتْهم هذه الأمورُ وغلبت عليهم؛ حتى رُبي فيها الصغير وهرم عليها الكبيرُ، فلم يَرَوْها منكرًا!”
أيها المسلمون
وقد تكفل الله عز وجل لمن تبع شرعه المنزل على رسله بالهداية وسعادة الدارين، قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه:123]، والشقاء المنفي في قوله {ولا يشقى} هو شقاء الآخرة لأنه إذا سلم من الضلال في الدنيا سلم من الشقاء في الآخرة)، وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه:124]، أي معيشة ضيق وشقاء، وإن كان صاحبها من أهل المال والنعيم المادي، قال ابن كثير رحمه الله: (أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد. فهذا من ضنك المعيشة)
الدعاء