خطبة عن (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)
يوليو 6, 2025خطبة عن (جُنْدُ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
يوليو 8, 2025الخطبة الأولى (لَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (205) الأعراف. وقال تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (28) الكهف.
إخوة الاسلام
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى- عن مرض خطير من أمراض القلوب، وخلق ذميم من أخلاق النفوس، أصاب الكثير من الناس، فكانت له نتائجه الوخيمة، وآثاره السيئة، إنه مرض(الغفلة)، ومن معاني الغفلة: (اللهو والسهو عن الواجبات والحقوق، وغفلة الإنسان عما خلق له)،
والغفلة لها صور وأشكال متعددة، ومن أهمُّ صورها وأشكالها في حياتنا: اتباع الهوى، والبُعد عن ذكر الله تعالى، وهذه الصورة هي أكثر صور الغفلة، التي يُعلِّق عليها القرآن الكريم؛ قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]. وقال تعالى : {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205]. ومن صور الغفلة: نسيان الدار الآخِر: قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. وقال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء:1]. ومن صور الغفلة: تعطيل الجوارح ووسائل الإدراك: قال تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. ومن صور الغفلة: الغفلة عن المسئوليات والواجبات والحقوق، في أمور الدين والدنيا، ومنها: الغفلة عن الغاية التي خلقنا الله عز وجل من أجلها، وهي عبادته، وعمارة الأرض، والغفلة عن أداء الواجبات والحقوق، خاصة حقوق الله، وحقوق الوالدين والأقارب، والغفلة عن اغتنام الأوقات، والغفلة عن التوبة، وعن الموت الذي يأتي بغتة.
وأيضا من صور ومظاهر وأشكال الغفلة: ظلم الناس، وعدم اقامة العدل، وأداء الحقوق، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ قَالَ «أَلاَ تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ». قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «صَدَقَتْ صَدَقَتْ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ». وفرعون كان في غفلة عن وجود الإله الحق، المستحق للعبادة، وكان في غفلة عن الموت، قال تعالى: (حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يونس:90. وقارون كان في غفلة عن الرزاق سبحانه وتعالى، واغتر بعلمه وماله: “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ” القصص:78.
ومن صور الغفلة: الغفلة عن آيات الله؛ فمن الناس من يغفل عن آيات الله المنظورة، وآياته المتلوة، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس:92].
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أن الغفلة خلق ذميم، ومَرَضٌ مُستَحكِم، وداءٌ مُستشرٍ، قلَّ أن يسلمَ منه أحد، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾ [يونس:92]. والغفلةَ أَعْظَمُ أَدْوَاءِ القلوبِ خطرًا، وأشدُّها فتكًا وضررًا، ومن خطورتها: ألّا يشعرُ الغافلُ بغفلته، فَبِالنِّعَمِ يُسْتَدْرَجُونَ، وباللهو واللعب يُشغلون، وعن الخير والهدى يُصرفون، فإذا طالَ عليهم الأمد، قست قلوبهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون، فإذا هم عن ذكر ربهم، والدارِ الآخرة غافلون، إلى أن يأخذهم العذابُ بَغْتَةً، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام:44]. والغفلةُ: تسبب الإِفْرَاط في الشَّهَوَاتِ، والاسْتغراق في الملَذَّاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28].
والغافلُ: قلبٌه خاويٍ من تعظيم الله، وعقلُه لا يتفكرُ في آيات الله، ولسانٌه جاف عن ذكر الله، وجوارحٌه تتكاسلُ عن طاعة الله، قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [النحل:108].
والغفلةُ: مُفسِدةٌ للْقَلْبِ، ومُشغِلةٌ عن الخير، وصادةٌ عن سماع الحقِّ واتباعهِ، والانتفاعِ به، قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف:146]. وفي الغفلة تضييع لمواسم الفضل، وتفريط في ساعات العمر، فساعات عمر الغافل أهون ما يملكه، وأرخص ما يبذله، فهو يبذل ساعات العمر في غير ذي حاجة له أو فائدة، وفي سنن النسائي: (قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ . قَالَ «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ».
وبِسَبَبِ الغَفلَةِ أُهلِكَت أُمَمٌ، وَخُتِمَ عَلَى قُلُوبٍ وَأَسمَاعٍ وَأَبصَارٍ، وَبِسَبَبِ الغَفلَةِ صُرِفَ المُتَكَبِّرُونَ عَن آيَاتِ اللهِ، وَأُغلِقَت أَبوَابُ خَيرٍ، وَفُتِحَت أَبوَابُ شَرٍّ، وَبِسَبَبِ الغَفلَةِ فَرَّطَ الكَثِيرُونَ فِيمَا يَنفَعُهُم فَتَحَسَّرُوا، قَال تَعَالى عَن قَومِ فِرعَونَ: (فَلَمَّا كَشَفنَا عَنهُمُ الرِّجزَ إِلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُم يَنكُثُونَ. فَانتَقَمنَا مِنهُم فَأَغرَقنَاهُم في اليَمِّ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:135-136]. وَقَالَ سُبحَانَهُ: (سَأَصرِفُ عَن آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ في الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الرُّشدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُم كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنهَا غَافِلِينَ) [الأعراف: 146].
وبسبب الغفلة يَذهَلُ الإِنسَانُ عَن مُهِمَّتِهِ الَّتي خُلِقَ لأَجلِهَا، وَيَنسَى مَعَادَهُ وَمُنتَهَاهُ، وَتَأخُذُ بِلُبِّهِ بَهَارِجُ الدُّنيَا وَزَخَارِفُهَا، وَتَصُدُّهُ مُلهِيَاتُها وَصَوَارِفُهَا، فلا يَشعُرُ إِلاَّ وَقَد ذَهَبَ عُمُرُهُ، وَانقَضَى أَجَلُهُ، وَرُدَّ إِلى رَبِّهِ وَمَولاهُ الحَقِّ، فَوَا حَسرَتَهُ وَقَد قَدِمَ عَلَى رَبِّهِ خَالِيَ الوِفَاضِ مِنَ الحَسَنَاتِ، مُثقَلَ الظَّهرِ بِالخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ، قَد أَلهَاهُ التَّكَاثُرُ عَنِ الاستِعدَادِ لِليَومِ الآخِرِ، حَتَّى جَاءَهُ المَوتُ، وَزَارَ المَقَابِرَ.
أيها المسلمون
وَقد حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عباده الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْغَفْلَةِ؛ فقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [الأعراف:205]. وحذَّرَهم أن تُلْهِيَهمُ الدنيا بمتاعها عن طاعَته جلَّ وعلا، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [المنافقون:9]، وفي الصحيحين: قال صلى الله عليه وسلم يحذر أمته: “وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ”.
وهناك عَلامَات وَصِفَات وَأَعرَاض، إِذَا وُجِدَت في أَحَدِنَا، أَو ظَهَرَت عَلَيهِ، فَلْيَعلَمْ أَنَّهُ مِنَ الغَافِلِينَ، فَلْيَنتَبِهْ لِنَفسِهِ قَبلَ أَن يَفجَأَهُ المَوتُ وَهُوَ عَلَى غَفلَتِهِ، وَيَأخُذَهُ هَاذِمُ اللَّذَّاتِ وَهُوَ في غِرَّتِهِ، فَمِن تِلكَ العَلامَاتِ وَالأَعرَاضِ: التَّكَاسُلُ عَنِ الطَّاعَاتِ، وَالتَّثَاقُلُ في أَدَاءِ العِبَادَاتِ، وَالتَّسَاهُلُ في الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَاتِ، قَالَ تَعَالى: (إِنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُم وَإِذَا قَامُوا إِلى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالى) [النساء:142].ومن علامات الغفلة: اعتياد المعصية، واستصغار المحرمات، وفي صحيح البخاري: (أن الصحابي عبد الله بن مسعود: قَالَ «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ»، ومن علامات الغفلة: إهدار الأوقات فيما لا فائدة فيه، ففي المستدرك للحاكم: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» رواه البخاري. ومن العلامات: الغفلةُ عن تعلُّم العلم الشرعي، والغفلة عن قراءة القرآن، والغفلة عن الأذكار التي تَحْفَظُ الإنسانَ من شياطين الإنس والجن.
أيها المسلمون
ولِمرض الْغَفْلَةِ أَسْبَاب كثيرة؛ ومن أخطرها: طُولُ الأَمَلِ، كما قَالَ تَعَالَى :﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر:3].. قال الامام علي: (إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتين: طولُ الأملِ واتباعُ الهوى؛ فأمّا طولُ الأملِ فينسي الآخرة، وأما اتباعُ الهوى فيصدُّ عن الحقّ)، وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: هجرُ القُرْآَنِ الْكَرِيمِ، قالَ تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء:1]. وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: التَّهَاوُنُ في أداءِ الصَّلَوَاتِ المكتوبات، والتَّكَاسُلُ عن الجُمَعِ والجَمَاعَاتِ، ففي صحيح مسلم: قالَ صلى الله عليه وسلم: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ)، وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: حبٌ الدُّنْيَا والركونُ إليها، وَتَعَلُّقُ الْقَلْبِ بِزخارفهَا، والمُبَالَغَةُ فِي الِاشتِغَالِ بِـمَلَذّاتِها، قالَ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم:7]. ومن أعظم أسبابِ الغفلةِ: الجهلُ بالله عز وجل، وأسمائه وصفاته، فمن عرف الله حق المعرفة عظمه، وأحبه وأطاعه، فلم يغفل عن ذكره. وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: ارتكابُ المعاصي، قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين:14]. وَمِنْ أَسْبَابِ الْغَفْلَةِ: صحبة رفقاء السوء: فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، ومن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي صار مثلهم: قال تعالى: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28]. وَمِن أسباب الغفلة: كَثرَةُ اللَّهوِ وَاللّعِب، فَقَد صَحّ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: “مَنِ اتّبَعَ الصَّيدَ غَفَل”، وَأَولَى مِن ذَلِكَ بالتحذير هذه الأَلعَابُ الَّتِي أَسَرَتْ قُلُوبَ شَبَابِنَا، وَاستَنفَدَتْ قُوَاهُم وَأَوقَاتَهُم، حتى ضيعوا واجباتهم الدينية والدنيوية. ومن أعظم أسباب الغفلة الاغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها. قال الله عز وجل: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر:3]. ومن أسباب الغفلة: المبالغة في الرَّفاهية والتَّنعُّم، فبسبب ذلك عاش الناس في غفلة عظيمة، وانهمكوا في أنواع كثيرة من المباحات، التي جعلتهم يغفلون عن الله تعالى والدارِ الآخرة، ومن الأسباب: اتِّباع الهوى؛ قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية:23].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وللغفلة آثار خطيرة، ونتائجَ سيئة، وإضرار وخيمة، لذا بعث الله أنبياءه ورسله لينذروا الناس من هذا الداء العضال، وما يترتب عنه من سيء الأعمال، فقال تعالى: ﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أنْذِرَ آبَاؤهُمْ فَهُمْ غَافِلونَ﴾ [يس:6]. فمن آثار الغفلة: الطَّبْعُ عَلَى قُلُوبِ الْغَافِلِينَ وَعَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ؛ فَلَا تَتَّعِظُ بِمَوعِظةٍ، وَلَا تَنتفعُ بِتذكِيرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حقِّ الْكُفَّارِ الْمُعْرِضِينَ: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [النحل:108]. وَمِنْ آثَارِ الْغَفْلَةِ ونتائجها: الِانْصِرَافُ عَنِ الْحَقِّ ونُصرة الْبَاطِلِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف:146]. ومِنْ أسوء نتائج الْغَفْلَةِ وأخطرها: الخسارةُ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس:7]. والإنسان كلما غفلَ قلبهُ عن الله، تمكنَ الشيطانُ منه أكثر، حتى يصبحَ له قرينَ سوءٍ لا يفارقه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:36].. والغفلة طريق إلى الهلاك والدمار؛ فبغفلة الإنسان عن مصيره يكون ظلمُه وطغيانه، وعقاب الله للظالمين شديد. قال الله تعالى عن فرعون وقومه: ﴿فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف:135،136]. والغفلة سبب في الحرمان والخسران؛ فمن استولت الغفلة على قلبه، ضل وتاه وضاع وفقد كل خير، فتراه يعيش في الدنيا كما تعيش الأنعام؛ لا همّ له إلا في طعامه وشرابه وشهوته، وذلك هو الخسران المبين. وكذلك من استولت الغفلة على قلبه وعقله لا ينتفع بآية، ولا تؤثر فيه موعظة؛ لأنه لم يؤهلْ نفسَه ويُعدّها للانتفاع بآيات الله، والغفلة سبب في الحسرة والندامة؛ سيتجرّع مرارة الحسرة كلّ مَن غفل عن طاعة الله وعبادته وآياته، يوم لا ينفع ندم ولا تغني حسرة. والغفلة سبب في تسلط الشيطان على الإنسان وإغوائه؛ ففي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ. وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ قَالَ الشَّيْطَانُ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ. وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ قَالَ أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ».
وللغفلة عقوباتٌ في الدنيا والآخرة؛ ويكفي أنَّ الغفلة من صفات أهل النار، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس:7،8]. والله تعالى يُجازي أهلَ الغفلة بغفلةٍ أعظم؛ جزاءً وفاقاً: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ [الصف:5]، واللهُ تعالى لا يستجيب دُعاءَ الغافلين يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ» رواه الترمذي. ويوم القيامة يتحسَّر أهلُ الغفلة ويندمون؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِيهِ؛ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لاَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهِ؛ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ» رواه أبو داود. ويُخشى على الغافلين من سوء الخاتمة.
أيها المسلمون
أما عن العلاج من مرض الغفلة، وما يعين على التخلص منها: فأول ذلك: معرفة الله عز وجل، ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دينه وشرعه، قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9]. ومنها: المحافَظةُ على الصلوات في جماعةً، وفي الحديث الصحيح: قال صلى الله عليه وسلم: “من حافظ على هؤلاء الصَّلواتِ المكتوباتِ لم يُكتَبْ من الغافلين، ومن قرأ في ليلةٍ مائةَ آيةٍ كُتِب من القانتين”. ومن علاج الغفلة: كثرةُ ذِكْرُ اللهِ تعالى؛ فالذكر يُحيي القلوبَ، ويَطرُد الشيطانَ، ويُزكِّي الروحَ، ويُقوِّي البدنَ على الطاعات، ويُوقِظ من نوم النسيان، ودوامُه يحفَظ العبدَ من المعاصي، قال تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِين﴾ [الأعراف:205].وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ”، رواه البخاري. وقَالَ ابنُ الْقَيِّمِ: “إنَّ الْغَافِلَ بَيْنَهُ وَبَينَ اللهِ عزَّ وجلَّ وَحْشَةٌ، لا تَزُولُ إلا بِالذِّكْرِ”. وممَّا يحفَظ العبدَ من الغفلة: مداومة تلاوة القرآن وتدبره؛ فهو غذاء الأروح، وشفاء القلوب، قال جل وعلا: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء:82]. وفي الحديث الصحيح: ” من قرأ عشرَ آياتٍ في ليلةٍ؛ لم يُكتَبْ من الغافلين”. وممَّا يُعِينُ على التخلص من الغفلة: الإكثار من التَّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ، قالَ صلى الله عليه وسلم: “إنَّه لَيُغانُ على قَلْبِي، وإنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَومِ مِائَةَ مَرَّةٍ” رواه مسلم.. وفي الحديث الحسن، قال صلى الله عليه وسلم: “إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةً نُكتتْ في قلبِه نكتةٌ سوداءُ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقُل قلبُه”.
ومما يحفظُ العبد من الغفلة: مجالسةُ العلماء والصالحين؛ لأنهم يُذكِّرون بالله، ويُعلِّمون شرع الله، ويعينون على طاعة الله، قال جلّ وعلا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:28]. وممَّا يُعِينُ على التّخلص من الغفلة: الابتعادُ عن مجالس اللهو والسوء، قال الله عز وجل: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ في الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بها وَيُسْتَهْزَأُ بها فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ في جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء:140]. ومما يعين على علاج الغفلة: كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، ومن دعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ، والكَسَلِ، والجُبْنِ، والبُخْلِ، والهَرَمِ، والقَسْوَةِ، والغَفْلَةِ» رواه ابن حبان. ومن أعظم ما تعالج به الغفلة: ذِكْرَ الموت وما بعدَه، فهو واعظٌ بليغٌ، وزاجرٌ قوي.. فمَنْ أكثرَ مِنْ ذكرِ الموتِ استفاقَ قلبُه، واستقامت نفسه، وصَلُحَت أعماله، فسَلِمَ من الغفلة. ومن أفضل الأمور التي نُعالِجُ بها الغفلة: تعلُّم العلم الشرعي، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ، أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا» رواه الترمذي. ونُعالِجُ الغفلةَ بالحرص على قيام الليل – ولو عَشْر آيات؛ يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ؛ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ» رواه أبو داود.
الدعاء