خطبة عن الانفاق على الفقراء والمساكين ، وحديث ( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ)

الخطبة الأولى ( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ)  

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

رُوي في الصحيحين : (أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأُكْلَةُ وَالأُكْلَتَانِ ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لاَ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا » ،وفي رواية : « لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ،وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِى لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ ،وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ،وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ »، وفي زيادة : (اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) » البقرة 273.

إخوة الإسلام

في هذا الحديث النبوي الكريم يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أَولى الناس بوصف المَسْكنة، وأحق الناس بصدقة المتصدقين، ليس هو الشخص الفقير المحتاج الذي يذهب إلى الناس بوجه مكشوف، ويسألهم أن يعطوه شيئًا من المال يَسُد به جوعته، وهم مع ذلك يعرفون حاله، ويتفقدونه بين الفينة والأخرى، ويتعاهدونه بالصدقة، فلا يتركونه يضيع هو وأسرته، فمثل هذا لا يبيت طاوياً غالباً من الجوع، فهو يتعرض للناس، وكلما جلس مع أحد بدأ يذكر له حاله وفقره وحاجته وحاجة عياله وما أشبه ذلك، فالناس يتعارفون فيما بينهم أن هذا الإنسان مسكين، فهذا يأتيه بصدقة، وهذا يأتيه بمال، وهذا يأتي بطعام وهكذا، وقد يحصل له غنًى يغنيه من عطايا الناس ،

وإنما المسكين هو الشخص الفقير الذي لا يسأل الناس شيئًا (لا بلسان المقال ولا بلسان الحال) بسبب عفَّته وشدة حيائه، وفي الوقت نفسه لا يَفطن كثير من الناس لحاله، ولا يعلمون فقره وحاجته، فهو يبقى في بيته يعاني شدة الجوع والمَسْغبة هو وعياله، والناس يظنون أنه في غِنى وعافية وسعة رزق، فهذا الأخير هو المسكين الكامل في المسكنة.

وقد مَدحَ اللهُ تعالى الْمُتعفِّفِينَ عَن سؤالِ النَّاسِ على الرَّغمِ مِن حاجتِهم، فقالَ الله تعالى: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (272): (274) البقرة،

وقد كرِهَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِأمَّتِه كثرةَ السُّؤالِ، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ « مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ »، وفي صحيح مسلم : (عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ »

وبيَّنَ الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ المسكينَ ليس هو مَن يَتردَّدُ علي الأبوابِ ويأخذُ لُقمةً؛ فإنَّ مَن فَعلَ هذا ليس بِمسكينٍ؛ لأنَّه يقدِرُ على تحصيلِ قُوتِه، وإنَّما المسكينُ المحتاجُ الَّذي لا يَجدُ ما يُغنيهِ ولكنَّه على ذلك لا يُظهِرُ ذلك ولا يَسألُ النَّاسَ، فلا يَعرِفُ النَّاسُ حاجتَه فلا يَتصدَّقونَ عليه؛ لِظنِّهم غِناه؛ لِتعفُّفِه عَنِ السُّؤالِ. فمن فقه الأولويات أن تعطى الصدقة للمتعففين ،تعطى للفقير الذي لا يسأل أحدا، ولا يخبر الناس عن حاجته، وإنما يبقى في بيته، فهذا أحق أن يُبحث عنه، وهذا يُعرف بأمور، ومنها التحسس والتفقد، ويعرف أيضا من هيئته، ومن خلال دراسة حالته ودخله وأولاده

وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه ينبغي للمسكين أن يصبر ،وأن ينتظر الفرج من الله ،وأن لا يتكفف الناس أعطوه أو منعوه ؛ففي صحيح البخاري : (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ » ، والإنسان إذا علق قلبه بالخلق وكل إليهم ، كما جاء في سنن الترمذي وغيره : (قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ » وإذا وكلت إلى الخلق نسيت الخالق ، بل اجعل أمرك إلى الله عز وجل ،وعلق رجاءك وخوفك وتوكلك واعتمادك على الله سبحانه وتعالى فإنه يكفيك ،قال الله تعالى : ( ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) [الطلاق:3) ، وكل ما قدره الله عز وجل به فهو بالغك ، لا يمنعه شيء ولا يرده شيء .

فالمسكين يجب عليه الصبر ، ويجب عليه أن يمتنع عن سؤال الناس لا يسأل إلا عند الضرورة القصوى ؛فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلاَلِيِّ قَالَ تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَسْأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ « أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا ». قَالَ ثُمَّ قَالَ « يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاَثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاَثَةٌ مِنْ ذَوِى الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ لَقَدْ أَصَابَتْ فُلاَنًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا »  

فلا يزال الإنسان يسأل الناس ، ثم يسأل الناس ، ثم يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم ؛ لأنه قد قشر وجهه للناس في الدنيا، ففي الصحيحين : (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ – رضى الله عنه – قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ »

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الشفقة والرحمة في تعامله مع الفقراء والمساكين، في التفقد والسؤال عنهم، والملاطفة والرفق بهم والإحسان إليهم، والجلوس والقرب منهم، وعدم التكبر عليهم، وقضاء حاجة المحتاج منهم، والتلبية لحاجتهم على حاجة أهل بيته، والاحترام والتقدير. وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن إطعامهم من الطعام الذي لا يرغبه الناس، ففي مسند أحمد وغيره : (عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: “أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ، فَلَمْ يَأْكُلْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: (لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ)”. كما قال رب العزة في كتابه العزيز :﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 267] أي إنه ليس من البر أن يحسب المسلم الخبيث من المال والرديء من كل شيء ثم ينفقه على الفقراء؛ إنما البر هو في الإنفاق والتصدق مما نحب، قال الله تعالى:﴿ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92]، يعني لن تنال الخير الكثير، ولن تنال رتبة ومنزلة الأبرار؛ حتى تنفق مما تحب. والمال كله محبوب؛ فإذا أنفقت مما تحب كان ذلك دليلاً على صدقك لكي تنال بذلك منزلة الأبرار.

أيها المسلمون

لقد قسم الله سبحانه وتعالى رزقه على عباده بعلم وحكمة ،فقد قال الله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (30) الاسراء ، وقال الله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (39) سبأ ، فلحكمة عظيمة جعل الله تعالى من عباده الغني والمتوسط والفقير وكل ذلك ابتلاء منه سبحانه وتعالى بالخير لمن أراد الخير والأخرى لمن أعرض عن طاعته    

وحق المسكين واجب على كل غني في كتابه الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى « فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» الروم (38) ، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِىَ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالإِبِلُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ إِبِلٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لاَ يَفْقِدُ مِنَهَا فَصِيلاً وَاحِدًا تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ « وَلاَ صَاحِبُ بَقَرٍ وَلاَ غَنَمٍ لاَ يُؤَدِّى مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ لاَ يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ وَلاَ جَلْحَاءُ وَلاَ عَضْبَاءُ تَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولاَهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ». ، وفي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَصَدَّقَ مِنْ طَيِّبٍ تَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ وَأَخَذَهَا بِيَمِينِهِ وَرَبَّاهَا كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ أَوْ فَصِيلَهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِاللُّقْمَةِ فَتَرْبُو فِي يَدِ اللَّهِ – أَوْ قَالَ فِي كَفِّ اللَّهِ – حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ فَتَصَدَّقُوا »

                                   أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية ( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ)  

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

إن المسلم يعلم يقينا أن للمسكين حقا في ماله الذي أعطاه الله تعالى ،وبأداء هذا الحق للمسكين تنال رحمة الله وعفوه وزيادة ماله ونموه ويكون في ظل صدقته يوم القيامة ،وفي مسند أحمد وغيره : (عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ ». أَوْ قَالَ « يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ ». قَالَ يَزِيدُ وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لاَ يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلاَّ تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا)،والصدقة على المسلم حق للسائل ، ففي سنن أبي داود وغيره : (عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِىٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ ». فعليك قضاء حاجته، وواجب عليك أن ترضي الله سبحانه وتعالى وترضي عباده وتجبر خاطرهم وتفرح نفوسهم وتذهب همهم ، وفي سنن البيهقي موقوفا: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ : بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ الْبَلاَءَ لاَ يَتَخَطَّى الصَّدَقَةَ)، وفي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ « جَهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ».، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا قَالَ « أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى ، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا ، وَلِفُلاَنٍ كَذَا ، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ » ،

واعلم أخي المسلم أن أفضل الأعمال : إدخال السرور على المؤمن ،وكسوة عورته ،أو إشباع جوعته ،أو قضاء حاجته ، فاجتهد أخي المسلم في ذلك حتى يبارك الله لك في مالك وعيالك ويزيد خيرك ويبعدك عن الشر.

                                         الدعاء