خطبة عن ( حين يغفل المسلمون عن أسلحتهم ينال منهم عدوهم ،قال تعالى (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً)
أغسطس 23, 2025خطبة عن (كيف تتعامل مع القرآن؟)
أغسطس 24, 2025الخطبة الأولى (يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) (21): (24) الفجر.
إخوة الإسلام
تدبروا قوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)، فإذا جاء الله يوم القيامة، وجاء الملائكة صفوفاً صفوفاً، وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع، واقتربت الشمس من الرؤوس، وخاض الناس في عرقهم، وبلغت القلوب الحناجر، حينها، يتذكر الإنسان، يتذكر أنه وُعد بهذا اليوم، وأنه أُعلم به من قبل رسل الله (عليهم السلام)، وأُنذر وخُوف، ولكن، من حقت عليه كلمة العذاب، فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية، وحينئذ يتذكر، ولكن (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) فأين تكون له الذكرى في هذا اليوم، الذي رأى فيه ما أخبر عنه يقيناً؟، والإيمان عند المشاهدة لا ينفع، إنما الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب، قال تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) البقرة:3،
ومن الملاحظ في قوله تعالى: (يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)، قال (لحَياتي) وليس في (حياتي)، فحياتنا الحقيقية لم تبدأ بعـد، حياتنا الحقيقية تبدأ حين نوضَع في قبورنا: فإمّا روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، وفي يوم القيامة، يتذكر الإنسان حين يشاهد الحق ويتمنى أنه قدم لحياته الدائمة، فالحياة الدنيا حياة منتهية، وهي حياة هموم وأكدار، فكل صفو فيها يعقبه كدر، وكل عافية فيها يتبعها مرض، وكل اجتماع يعقبه تفرق، ولكن حياته الحقيقية هي الآخرة، قال تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (64) العنكبوت، وقال ابن كثير في تفسيره: قوله تعالى: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } يعني: يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصياً، ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعاً، ففي مسند أحمد: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عُمَيْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَوْ أَنَّ عَبْداً خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى أَنْ يَمُوتَ هَرَماً فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَحَقَّرَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَوَدَّ أَنَّهُ رُدَّ إِلَى الدُّنْيَا كَيْمَا يَزْدَادَ مِنَ الأَجْرِ وَالثَّوَابِ»، وفي سنن ابن ماجه وغيره: (عَنْ أَبِى يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا ثُمَّ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ». ففي الدار الآخرة إما: (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) (21)، (24) الحاقة، وإما: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) (25): (33) الحاقة، وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) (68) التوبة،
فمن قدم لحياته -في الآخرة- وعمل لها، وأطاع اللهَ تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ سيكون بإذن الله في الجنَّة، ومن أعرض عن ذكر الله، وأشغلته دنياه وأمواله وأولاده؛ سيُحشَر أعمى، قال تعالى :﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ [طه: ١٢٤-١٢٦]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [المنافقون:9]. حينئذٍ يندم الانسان على ما سلف منه من المعاصي، إن كان عاصيًا، ويود لو كان ازداد من الطاعات، إن كان طائعًا -ولا ينفعه ذاك الندم- فكن كيِّسًا فطنًا، واعمل لما بعد الموت.
أيها المسلمون
إن وصول الإنسان إلى عرصات يوم القيامة أمر حتمي، بغض النظر عن صلاحه أو فساده، فالإنسان يومئذ يندم على ما كان سلف منه، (يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)، فالصالح يندم أنه لم يبذل جهداً أكبر، وصرف وقتاً أطول في عبادة الله، والإكثار من الخير، أما الفاجر والفاسق والكافر ومن على شاكلتهم، فيندم أحدهم على أنه لم يعمل بما ينفعه اليوم، حيث حساب ولا عمل، فيومئذ يتذكر، يتذكر الحق، ويتعظ بما يرى، ولكن، فات الأوان (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)، لقد مضى عهد الذكرى، فما عادت تجدي هنا في دار الجزاء أحداً، وإن هي إلا الحسرة على فوات الفرصة، في دار العمل في الحياة الدنيا.
فما قيمة حياة كلها كبد وتعب ومشقة تنتهي ظاهرياً بالموت، ثم تنتظر من عاشها محاسبة دقيقة؟ وما قيمة حياة هي عند الله لا تساوي جناح بعوضة؟ وما قيمة حياة يصفها الخالق بأنها لهو ولعب؟ وما قيمة حياة يشبّهها الخالق بالماء النازل من السماء الذي من صفاته عدم الاستقرار وعدم البقاء على حال واحدة، وهذه كلها أوصاف الدنيا؟.
إنها مسألة تدعو المرء منا إلى أهمية إدارة حياته بحكمة وفطنة، واستثمارها بأفضل ما يمكن، حتى لا يتكرر الكَبَد والعناء مرة أخرى، في حياة أخرى، حقيقية قادمة لا ريب فيها، فمن ذا الذي يرضى العيش في عناء ومكابدة مرتين متتاليتين، من بعد أن أدرك الأمور؟، من ذا الذي يريد تكرار قسوة وعناء الحياة الدنيا، ليجدها تارة أخرى في حياته الأخروية؟، لا أشك أن حكيماً عاقلاً يرضى بذلك، فضلاً أن يعمل بيديه لتلك النهاية المؤلمة، كما هو الحاصل الآن بين بني البشر، فالكيِّسُ هو من دان نفسَه، وعمل لما بعد الموتِ، الكيّس والعاقل والفطن هو الذي يغتنم الفرص، ويستثمرها لما بعد الموت، وهو الذي أدرك أن هذه الحياة الدنيا قنطرة للوصول إلى الحياة الآخرة، وهو العاقل الذي يرسل الصالحات إلى خزائن أو بنوك الآخرة يودعها، وطالما الحال كذلك، فلنقدّم لحياتنا الآن وقبل فوات الأوان.
أيها المسلمون
قال تعالى: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (7) الشورى، فمن أي الفريقين أنت؟، وهل أعددت زاداً للرحيل؟، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك ويقول لك: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) رواه البخاري، وسواء اعددت نفسك من العابرين لسبيل الحياة، أم عددت نفسك من المخلّدين المقيمين، فأنت في النهاية سترحل، وفي سائر الحالات أنت عابرها، قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (الأنبياء:34).هكذا خلق الله الحياة، وهكذا أرادها: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبَقَى وَجْهُ رَبِكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } (الرحمن:27،26). فالكل وإن طالت الأعمار راحل، وبريق الدنيا مهما لمع زائل، وعمودها مهما استقام مائل، وقال عمر بن عبد العزيز: (إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
أنت معنيّ بالرحيل على كل حال، أيامك تسوقك إليه، وخطواتك تقبل بك عليه، وأنت في الحياة مجبور على العبور، وخاضع لموت مقدور، وموتك فاصل بين حياة وحياة، قال تعالى :{أَفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثاً وَأنكُمْ إلَينْاَ لا تُرْجَعُونَ} (المؤمنون:115). فلا تغفل فإنك لم تخلق سدى، وإذا رأيت الناس قد سخّروا فِطنَتَهم للدنيا، فاستعمل أنت فِطْنَتك في الآخرة، تفكر في رحيلك، واجعل همك في معادك، وتذكر أن الموت يأتي على غرة، فأعدّ لفجأته حساباً، فيا من أيقن بطول السفر، وعلم أنه إلى الله عائد ومحتضر، لا تناقض بأعمالك يقينك، ولا تدع الغفلة تنخره وتضعفه، حتى تنسيك زادك ومعادك، فإن أقواماً أنستهم الغفلة زاد الرحل، فقال الله لهم عند القدوم عليه: {لَقَدْ كُنتَ فيِ غَفْلَةٍ مّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَومَ حَدِيِد} (ق:22).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
بادر أخي بتوبة صادقة مع الله، وأظهر له فيها عزمك على طاعته، وندمك إلى معصيته، وحبك لدينه، واسأله برحمته فإنه لا أحد أرحم منه، وبإحسانه ونعمه، وبين له ضعف حيلتك، وشدة افتقارك إليه، واعلم أنه مهما كانت ذنوبك، فهو يغفر الذنوب جميعاً، قال تعالى: {قًل يَا عِباديَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رّحْمة الله إنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأنيُبوا إلى رَبِكُمْ وَأسْلُموا لهُ مِن قَبْلِ أن يَأتَيِكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبعُوا أحْسَنَ مَا أُنزَلَ إِلَيَكُم مّن رَّبّكُم من قَبل أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أن تَقُولَ نَفْس يَا حَسْرتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ الله وَإن كُنتُ لَمنَ السَّاخِرِينَ (56) أو تَقُولَ لَو أَنّ الله هَدَاني لَكُنتُ َمنَ المُتَّقِينَ (56) أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَو أَنَّ ليِ كرّة فَأكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } (الزمر:53-57)، فاستقبل بقية عمرك مستدركاً بها ما فات، مُحيياً بها ما أمات، مستقبلاً بها ما تقدم له من العثرات، واجعل التقوى زادك، واحذر الغفلة فإنها تنسيك حقيقة سفرك، وتغريك بزخرف الدنيا، وتمنيك بالإقامة الزائفة.
أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) الحشر: (18)، (20)، إنما الذي يبقى هو ما تقدمه لآخرتك، أما الذي تجمعه لدنياك فأنت راحل وتاركه لغيرك، فقال تعالى: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، ولم يقل (ولتنظر نفس ما ادخرته للدنيا)، فلا تترك الدنيا وطيباتها، وما أباح الله لك، ولكن لا تنشغل بها، وخذ منها ما يعينكم على طاعة الله عز وجل، وما تتقرب به إلى الله من الصدقات والزكوات، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فما تقدمه لآخرتك هو الذي سيبقى لك، وتنتفع به، وأما ما زاد عن ذلك فإنه ليس لك، وإنما لورثتك. (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، ففي يوم غدٍ ينتهي الزمان، ويفوت الأوان، وتبعثر القبور، وينشر ما في الصدور، وتدنو الشمس، ويرتفع العرق، وتشخص الأبصار، ويجثو الناس على الركب، الجميع يقول: نفسي نفسي، اللهم سلم سلم، ونُدْعَى للعرض على الل،ه ونرى ما قدمنا، قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18]، وقال تعالى: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49].
الدعاء