خطبة عن (الْحَقُّ وَالْمِيزَانُ)
يونيو 17, 2025الخطبة الأولى (وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (67) الاسراء.
إخوة الاسلام
نعم الله على عباده لا تعد ولا تحصى: فكم من نعمة أنعم الله بها على عباده: نعمة الإيمان والإسلام، ونعمة الصحة العافية، ونعمة العقل والعلم، ونعمة الأمن والسلام، ونعمة المأكل والمشرب، ونعمة المسكن والملبس والمركب، ونعمة الزواج والذرية والقرابة والصداقة، ونعمة الوظيفة والمنصب، ونعمة السمع والبصر واللسان واليدين والقدمين، وإلى غير ذلك من النعم التي لا يمكن حصرها وعدها، قال تعالى: ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم:34]. فما من نعمة ظاهرة أو باطنة، عامة أو خاصة، كبيرة أو صغيرة، إلا وهي من عند الله، فله الحمد والشكر، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه سبحانه، وروى مسلم في صحيحه: (عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلهِ الذِى أطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كافي لَهُ وَلاَ مُؤْوِيَ»، فشكر الله تعالى على نِعَمِه وعطائه حافظٌ للنعم الموجودة، وجالبٌ للنعم المفقودة، والنعمة إذا شُكرت قرَّت، وإذا كُفِرت فرَّتْ.
أيها المسلمون
والمتدبر لقول الله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (67) الاسراء. يتبين له أن الانسان إذا أصابته شدة في البر أو في البحر، وأشرف على الغرق أو الهلاك، غاب عن عقله الآلهة التي يعبدها، ويتقرب إليها من دون الله، وتذكَّر الله القدير وحده؛ ليغيثه وينقذه، ففي تلك اللحظات الحاسمة، أخلص لله الدعاء، وطلب العون والإغاثة، وحينها أغاثه الله ونجَّاه، فلمَّا نجا من الشدة أو الغرق، أعرض عن الإيمان والإخلاص والعمل الصالح، وهذا من جهل الإنسان وكفره، ولذا كان الإنسان جحودًا وكفورا لنعم الله عزَّ وجل.
وجاء في تفسير السعدى لهذه الآية الكريمة أنه قال: (وهذا من جهل الإنسان وكفره، فإن الإنسان كفور للنعم، إلا من هدى الله، فمن عليه بالعقل السليم، واهتدى إلى الصراط المستقيم، فإنه يعلم أن الذي يكشف الشدائد، وينجي من الأهوال، هو الله الذي يستحق أن يفرد وتخلص له سائر الأعمال في الشدة والرخاء، واليسر والعسر. وأما من خذل ووكل إلى عقله الضعيف، فإنه لم يلحظ وقت الشدة إلا مصلحته الحاضرة، وإنجاءه في تلك الحال. فلما حصلت له النجاة، وزالت عنه المشقة، ظن بجهله أنه قد أعجز الله، ولم يخطر بقلبه شيء من العواقب الدنيوية فضلا عن أمور الآخرة.
وجاء في الوسيط لطنطاوي قال: أن عكرمة بن أبى جهل، لما ذهب فارا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة، فذهب هاربا، فركب في البحر ليدخل الحبشة، فجاءتهم ريح عاصف، فقال القوم بعضهم لبعض: إنه لا يغنى عنكم إلا أن تدعو الله وحده. فقال عكرمة في نفسه: والله إن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره، اللهم لك على عهد لئن أخرجتني منه، لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم ، فلأجدنه رؤوفا رحيما. فخرجوا من البحر، فرجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه- رضى الله عنه» .
أيها المسلمون
والمتدبر لقول تعالى: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا) (67) الاسراء. فالمعنى: (أن الإنسان غالبًا ما يكون جاحدًا للنعم، أي ينكر فضل الله عليه، ولا يشكره على عطاياه، ويتصف بالكفران والجحود، وهذه الصفة متأصلة في طبيعة الإنسان بشكل عام، مع استثناء من عصمهم الله تعالى.
وصور جُحودِ الانسان، وكفرانه النعم، كثير ومتعددة: فمن الناس من يجحدون نعم الله ويُنكِرونها، ولا يعترفون بفضل الله عليهم، وكرمه وعطائه، ويوظفون نعم الله في معصيته، والصدّ عن سبيله، والاعتراض على شرعه وأحكامه، والاعتداء على عباده، وهذا يدل على جهل المرء وضلاله وانحرافه.
ومن صور جُحودِ الانسان، وكفرانه لنعم الله: الإعراض عن كتاب الله تعالى: فكتاب الله بيننا نعمة من أجلّ النعم؛ فيه الخير والهدى والنور، قال الله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة:15،16]. فمن أعرض عن كتاب الله، وهجره ونبذه وراء ظهره، فقد أنكر فضل الله ونعمته، وكذلك من خالف كتاب الله، وأعرض عن أحكامه وأخلاقه ،فقد جحد نعمة الله عليه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [البقرة:211].
ومن صور جُحودِ الانسان وكفرانه لنعم الله: الانحراف عن الطريق المستقيم: فالهداية إلى الطريق المستقيم نعمة لا تقدر بثمن، ومَن حُرِمَها فقد خاب وخسر في دنياه وفي أخراه والطريق المستقيم هو الإسلام، بأركانه وأحكامه وأخلاقه، فمن حاد عنه، فقد جحد نعمة الله،
ومن انحرف عن الطريق المستقيم فقد أعرض عن عطاء ربه وكرمه، واختار لنفسه طريق الضالين الخاسرين الهالكين؛ قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16].
ومن صور جُحودِ الانسان وكفرانه لنعم الله: التكاسل في الطاعات والقربات: فقد خلق الله الإنسان واستعمره في أرضه، وسخر له ما في السموات والأرض؛ ليؤدي الوظيفة التي خلقه الله من أجلها، وهي عبادته سبحانه، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 56-58].
ومن صور جُحودِ الانسان، وكفرانه لنعم الله: توظيف النعم في معصية الله عز وجل: فكم من الناس قد جحدوا نعمة الله، وبدلوها كفرا وجورا وظلما وفسادا وطغيانا، كما قال ربنا سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ [إبراهيم: 28-30].
ومن صور جُحودِ الانسان وكفرانه لنعم الله: عدم الاعتراف بالمنعم جل جلاله: فمِن جُحُود النعمة أن يُصابَ صاحبها بالغرور، فيَظن أن ما به من نعمة فبفضل قوته أو علمه أو حيلته ودهائه وتخطيطه، وينسى خالقه ورازقه الذي تفضل بذلك عليه، فلا يعترف بفضله، ولا يشكره على عطائه، ولا يقوم بحقه عليه.
ومن صور جُحودِ الانسان وكفرانه لنعم الله: نسيان الزوجة نعمة زوجها عليها، فقد روت أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إِيَّاكُنَّ وَكُفْرَانَ الْمُنَعَّمِينَ”، قالت إحداهن: نعوذ بالله يا نبي الله من كفران نعم الله، قال: “لعل إحداكن تطول أَيْمَتُهَا من أبويها، ثم يرزقها الله زوجها ويرزقها منه ولدا، فتغضب الغضبة فتكفر، فتقول: ما رأيت منك خيرا قط” (رواه البخاري في الأدب المفرد).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وجحود النعم سبب في زوالها وضياعها: فكم من جاحدٍ مُنكِر، لا يعترف بفضل الله، ولا يُقِرّ بعطائه، ولا يشكره على آلائه؛ عاقبه الله تعالى بزوال النعمة، وفقدها، وجعله آية وعبرة للناس من بعده، قال سبحانه: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112]. وقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (15) (19) سبأ.
وجحود نعمة الله، والامتناع عن الصدقة منها سبب في زوالها: ففي الصحيحين: (قال أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يَقُولُ: “إِنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ؛ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ، فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ، قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ. ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلا بَلاغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ، وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ؛ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي؟ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلا بَلاغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي؟ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي؛ فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَ اللَّهِ لا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ؛ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ”. ألا فاحذروا كفران النعم، وكونوا من الشاكرين.
الدعاء