خطبة عن (الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ والْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)
يوليو 2, 2025الخطبة الأولى (مَعْذِرَة إِلَى رَبِّكُمْ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (163): (165) الأعراف.
إخوة الإسلام
هذه الآيات من كتاب الله الكريم تخبرنا: أن اليهود المعارضين لرسالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، زعموا أن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان، ولا معاندة لما أمروا به؛ ولهذا، أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يسألهم على جهة التوبيخ لهم، عن هذه القرية، فقال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ)، فهذه القرية كانت على شاطئ البحر، وكان أهلها من اليهود يعتدون في يوم السبت، ويخالفون شرع الله؛ حيث نهاهم عن الصيد فيه، وكان الله –سبحانه- قد ابتلاهم في أمر الحيتان، بأن تغيب عنهم سائر الأيام، فإذا كانوا يوم السبت جاءتهم في الماء شُرّعًا، مقبلة إليهم مصطفة، فإذا كان ليلة الأحد، غابت بجملتها، ففتنهم ذلك، وأضر بهم، فتطرقوا إلى المعصية، بأن حفروا حفرًا يخرج إليها ماء البحر على أخدود، فإذا جاءت الحيتان يوم السبت، وكانت في الحفرة، ألقوا فيها حجارة، فمنعوها من الخروج إلى البحر، فإذا كان الأحد أخذوها، حتى كثر صيد الحوت، ومُشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده، قال تعالى: (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، فنهضت فرقة منهم، ونهت عن ذلك، وجاهرت بالنهي، واعتزلت فرقة أخرى، فهي لم تعص ولم تنه، بل قالوا للناهين: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا)، فقال الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر: (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164].
وهكذا يتبين لنا أن أهل القرية كانوا ثلاث فرق: فرقة المعتدين في السبت، المتجاوزين حدود الله عن تعمد وإصرار، وفرقة الناصحين لهم بالانتهاء عن تعديهم وفسوقهم، وفرقة اللائمين للناصحين، ليأسهم من صلاح العادين في السبت، فهم يرون أنه لا جدوى من تحذيرهم، لأن الله تعالى قد قضى باستئصالهم، وتطهير الأرض منهم، أو بتعذيبهم عذابا شديدا، جزاء تماديهم في الشر، وصممهم عن سماع الموعظة، فكان رد الناصحين عليهم (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ). فهم قد عللوا نصيحتهم للعادين بعلتين: الأولى: الاعتذار إلى الله تعالى- من مغبة التقصير في واجب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر. والثانية: الأمل في صلاحهم، وانتفاعهم بالموعظة، حتى ينجو من العقوبة، ويسيروا في طريق المهتدين.
فكانت النتيجة والعاقبة: أن الذين كانوا ينهون عن السوء نجوة من العذاب. وإذا بالأمة العاصية يحل بها العذاب الشديد، أما الفرقة الثالثة: فقد سكت النص عنها، ربما تهوينا لشأنها – وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب – إذ إنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي. فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب، قال تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) (165) الأعراف. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا أثلاثًا: ثلث نهوا، وثلث قالوا: { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ} وثلث أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم.
وهذا الأمر لا يتوقف على مر السنين والأيام: فالناس على ثلاث فرق: فرقة واقعة في المعصية، وفرقة آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، وفرقة سلبية، غير مهتمة بما يجري، فانظر من أي الفرق أنت، وسوف تكون عاقبتك هي نفس العاقبة.
أيها المسلمون
وأحداث هذه القصة تفيد: أهمية وضرورة العمل على إزالة المنكر في المجتمع، وبالطرق المحددة شرعاً، كما جاء في صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ».
والقصة تبين: أن تكاسل المجتمع عن القيام بواجب الردع – في وجود القدرة على ذلك – أو النصح، والدعوة إلى الإصلاح، بكل السبل المتاحة، والمتمثلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنما هذا التكاسل قد يؤدي إلى هلاك الجميع أحياناً، وليس فقط الفئة العاصية، وحديث السفينة يوضح ذلك: ففي صحيح البخاري: (أن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ – رضي الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا»، فمن الواجب على كل مسلم ضرورة القيام بواجب التبليغ والتنبيه إلى المخاطر المحدقة بالمجتمع حين تبدأ بالظهور، وأي تكاسل وتهوين من أمر الفئات المتحايلة على الشرع والقوانين، إنما هو تسريع الخطوات نحو نهاية غير مريحة للجميع، بمن فيهم أهل الصلاح والتقوى، وهذا ما نبهنا القرآن إليه، قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (25) الانفال، وفي سنن الترمذي: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ»، وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ». ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ «كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن الدعوة إلى الله تعالى من أوجب الواجبات, وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا ينبغي أن يرتبط استمراره على استجابة المدعوين من عدمه, فالمسألة تتعدى حدود النتائج، وقطف الثمار، ورؤية الآثار، إلى أداء الواجب، والتزام أمر الله، وتقديم العذر أمام الله غدا يوم الحساب. ونظرة سريعة لواقع المسلمين اليوم مع فريضة الدعوة إلى الله، وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجعل المرء يتساءل: كم عدد أولئك الذين يمكن تصنيفهم ضمن الفئة الثالثة التي تقاعست عن واجب الدعوة إلى الله، بذريعة اليأس من الإصلاح، والقنوط من إمكانية التغيير؟، وإلى أي مدى باتت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرتبطة وجودا وعدما بالنتائج والثمار، دون اعتبار لنص الآية الواضح والصريح: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}؟، وإذا كان عدد أولئك الذين غفلوا عن مضمون هذه الآية الكريمة كثر , وأعداد من تقاعسوا عن واجب الدعوة إلى الله بذريعة اليأس من الإصلاح أكثر، فإن من واجب علماء الأمة ودعاتها أن يذكروهم، بأن الدعوة إلى الله هي تعبير عن الطاعة والالتزام بأمره سبحانه، قبل أن تكون طريقة ووسيلة لهداية الناس, وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو عبادة، قبل أن يكون سبيلا للإصلاح.
أيها المسلمون
ومن الدروس المستفادة: أنه ينبغي على أهل العلم وذوي الإصلاح أن يقوموا بواجب النصح والوعظ في إنكار المنكرات، على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وبمثل هؤلاء يدفع الله البلايا عن البشر، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:117]. ولم يقل: (وأهلها صالحون)، فإن مجرد الصلاح ليس كفيلاً في النجاة من العقوبة الإلهية الرادعة؛ ففي الصحيحين: (عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ – رضي الله عنهن أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ»، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَـالِمُونَ) [القصص :59]. ومن الدروس المستفادة من القصة: أن التهوين من شأن الإصلاح، أو التخذيل، أو الإرجاف فيه، ليس من سمات الأمة المسلمة، وأن مقولة بعضهم: “دع الناس وشأنهم”، هي ليست من السنة في شيء، إنما هي في الواقع إقعاد بكل صراط يوعد فيه، ويصدون عن سبيل الله من آمن، وحينئذ لابد من معرفة العاقبة لمن كان ديدنه كذلك،
ومن الدروس: أن الشارع الحكيم جاء بسد الذرائع، المفضية إلى ما حرم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن شيئًا من أنواع الحيل الموصلة إلى ما حرم الله لا يجوز البتة؛ لأن للحيل طرقًا خفية يتوصل بها إلى حصول الغرض، بحيث لا يُفطن لها إلا بنوع من الذكاء والفطنة، وهي وإن كانت تخفى على جملة من البشر؛ إلا أنها لا تخفى على رب البشر؛ إذ إنها من باب الإلحاد في حدود الله، وهو الميل والانحراف عنها، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى ءايَـاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَى فِى النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِى ءامِناً يَوْمَ الْقِيَـامَةِ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [فصلت:40]. وأيًّا كانت هذه الحيل، في العبادات، أو المعاملات، أو الأحوال الشخصية، أو نحوها، فلا يجوز فعلها للوصول إلى المحرم من طرف خفي، وثبت في الصحيحين: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ «لاَ، هُوَ حَرَامٌ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ»، والقصد من وراء ذلك كله تنبيه الغافلين، وإنذار المتغافلين، والتأكيد الجازم على خطورة شيوع الحيل المحرمة، وما تودي به من كدر في الصفو، وعطب في النية والمقصد، وهي وإن تقالّها ثلة من الناس، فان هذا لا يهوّن من شأنها، فإن القليل بالقليل يكثر، وإن الصفاء بالقذى ليكدر.
الدعاء