خطبة عن (حُقُوقُ الْعِبَادِ يَوْمَ الْمَعَادِ)
يونيو 28, 2025خطبة عن (عَمَلُكَ الصَّالِحُ)
يونيو 28, 2025الخطبة الأولى (من عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) النساء (77).
إخوة الإسلام
تبين لنا هذه الآية من كتاب الله العزيز: أنه في السنوات الأولى من بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الله المسلمين بكف اليد، وعدم مقابلة عدوان كفار قريش بالعدوان، بل كان الأمر المباشر هو الصبر على الأذى، فقد روى النسائي وصححه الألباني :(عن عبدالله بن عباس: (أنَّ عبدالرحمن بنَ عوفٍ، وأصحابًا لَهُ أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بمَكَّةَ فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّا كنَّا في عزٍّ ونحنُ مُشرِكونَ، فلمَّا آمنَّا صِرنا أذلَّةً، فقالَ: إنِّي أُمِرتُ بالعفوِ، فلا تقاتِلوا فلمَّا حوَّلَنا اللَّهُ إلى المدينةِ، أَمرَنا بالقتالِ، فَكَفُّوا، فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ).
وهكذا يتبين لنا من خلال مدارسة القرآن الكريم والسيرة المطهرة: أن الجهاد لم يشرع إلا بعد الهجرة إلى المدينة، وإقامة دولة للمسلمين فيها، وعندما تهيأت الأمور، أنزل الله آيات الجهاد، وأذن للمؤمنين بالقتال والمدافعة، ورد العدوان؛ لأن المرحلة قد تغيرت، وتغيرت معها ظروف كثيرة، وجد واقع جديد يختلف تماما عن الواقع المكي؛ ومن ثم أنزل الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:39،40]. فسُمح فيها للمسلمين برد العدوان وكف أذى أهل الشرك واعتدائهم.
وإذا نظر الإنسان للمرحلة المكية وطبيعتها، وبحث عن الحكمة من وراء الأمر بكف اليد وتكمل ما فيه من مرارة، لوجد أن هناك حكما عديدة ومقاصد عظيمة في طي هذا الأمر، ومنها: أولا: التفرغ للدعوة والتربية والتزكية، وعدم الانشغال بالمعارك الجانبية: فقد كانت هذه الفترة فترة إعداد وتجهيز للمسلمين الجدد الذين يمثلون نواة الأمة الواعدة، وكان لابد من إعدادهم لتحمل متطلبات إقامة الدولة الاسلامية، ونشر الدين،
ثانيا: ومن الحكمة من وراء الأمر بكف اليد: التعود على أن يكون الانتصار لله لا للنفس: فمَنعُ المسلمين عن الدفاع عن أنفسهم كان من أهم مقاصده: تهوين النفس وتطويعها لأمر الله، وكبح جماح استيلائها على صاحبها، وتحكمها فيما يأتي ويذر، وفي هذا من المصلحة الكبرى في تحكيم أمر الله على أفعال المسلم، وتقديمه على الهوى ونزعات النفوس، فإذا أمر بعد ذلك بالانتصار والقتل والقتال علم أنه ليس لخصوص النفس وإنما لمصلحة الدعوة والدين، وهو مقام رفيع لمدافعة الرياء، ومغالبة الأهواء، ورد كل الأمور إلى الله تعالى.
ثالثا: ومن الحكمة من وراء الأمر بكف اليد: حماية الدعوة من الاستئصال: فقد كانت الدعوة ما زالت ناشئة في مهدها، والكفة بين المسلمين والكافرين في ذلك الوقت لم يكن فيها أدنى تكافؤ، وكان أي تصرف أحمق، أو فعل أهوج كفيلا بأن تقوم قريش كلها على الثلة المسلمة والعصبة المؤمنة فتستأصلهم جميعا، ولا تبقي منهم أحدا، فتموت الدعوة في مهدها وينتهي الأمر. ولم يكن ثمة خيار إلا الصبر والتحمل.
رابعا: ومن الحكمة من وراء الأمر بكف اليد: إظهار قدرة المسلمين على التعايش: في كل مجتمع وتحت أصعب الظروف، فقد عاشوا في مجتمع مكة المخالف لهم في كل شيء، في العقيدة والفكر والفهم والنظر إلى الحياة، وما وراءها، وفي النظم الاجتماعية، ومع كل هذا فما كدروا سلما، ولا أفسدوا حياة، ولا قتلوا أحدا، ولا كسروا صنما، ولا اعتدوا على أحد.
وينبغي ألا يغيب عن المسلمين في كل زمان أمر هام وهو: أن لكل حال من الدعوة، وكل مرحلة من مراحلها، ولكل واقع ظروفا خاصة يجب أن تراعى، وأن المسلم دوما يحتاج إلى معرفة واقعه بعناية ليتخير له ما يناسب الدعوة وينفعها ولا يضرها، حتى وإن عاد واحتاج في بعض المراحل أن يكف يده ويقيم الصلاة لزمه ذلك.
أيها المسلمون
وهكذا كان الأمر واضحا في السنوات الأول من البعثة النبوية، بكف اليد والصبر، وتحمل الأذى، وهذا الأمر كان غريبا بالنسبة لبيئة العرب، وما اشتهر عنهم بعدم قبول الضيم، وما عرف عنهم من النجدة والأنفة، والفروسية والشجاعة، وهنا يتساءل المرء: ما هي الأسباب والعوامل التي بلغت بالمسلمين إلى هذه الغاية القصوى، والحد المعجز من الثبات؟، وكيف صبروا على هذه الاضطهادات، التي تقشعر لسماعها الجلود، وترجف لها الأفئدة؟، فنشير إلى بعض هذه العوامل والأسباب:
ومنها: معرفة الواقع وفقه المرحلة: فالمسلمون في المرحلة المكية، علموا أن الواقع هو مرحلة استضعاف، وعلموا أن فقه المرحلة هو ترك المواجهة والصدام؛ وعلموا أن واجب الوقت هو الصبر وعدم الاستعجال، ففي صحيح البخاري: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»
ومن عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد: معرفة حكمة الابتلاء بالاستضعاف: فإيمان المسلمين الأوائل بتحمل المسئولية، استعدادًا لما سيلاقونه من حولهم، فمراحل الاستضعاف تربية لأولياء الرحمن، قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146)، وكذا حرصهم على التصفية والتنقية، ليخرج منهم من ليس منهم: قال تعالى :(الم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:1-3)، فالجندي الذي لا يتحمل التدريبات الشاقة لا يصلح لحمل الراية، وهؤلاء الرجال كانوا على معرفة بقدر هذا الدين العظيم الذي من أجله يتحملون، ويكون سببًا في دخول الناس في هذا الدين إعجابًا وتعجبًا لصبرهم.
ومن عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد: الاهتداء بهدي القرآن وأوامره: فقد تنوعت توجيهات القرآن عند نزوله على حسب مراحل القوة والضعف، والقدرة والعجز. ففي مكة آيات تواكب الحدث تحثهم على تحمل البلاء من أجل نشر دينهم، قال تعالى: (قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ .وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج:4-10).
ومن عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد: معرفة الصحابة للسنن الكونية والشرعية: فمن سنن الله تعالى أنْ يعقب البلاء بالتمكين، بشرط التحلي بالصبر واليقين، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (24) السجدة، والتمكين بعد البلاء هو مَـحْضُ مِـنّة من الله تعالى وليس استحقاقا، والمِـنّة مُنْـطَوِية على الحكمة منزهة عن العبث، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ) (5)، (6) القصص، ومن المعلوم أن التمكين قبل البلاء يؤدي لاختلاط الصفوف، وربما وصل المفسدون لقيادة مرحلة التمكين، فيكون فسادهم أشد مما يقع من البلاء حال الاستضعاف.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد: الثقة واليقين الراسخ في وعد الله لهم بالنصر والتمكين: فقد نزلت سورة القصص وهي تشير إلى حصول التمكين بعد المحنة والشدة، قال تعالى: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ . وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص:4-6).
ونزلت سورة إبراهيم لتشير إلى حسن العاقبة للمؤمنين في الدنيا والآخرة: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ .وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:13-14). ونزلت سورة الروم لتبشر بقرب النصر، قال تعالى: (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ) (الروم:1-4). وسورة الصافات تخبر بحتمية النصر للمؤمنين، قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171-173).
ومن عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد: الاهتمام بتزكية النفوس وإصلاحها: ففرض على المسلمين قيام الليل في أول الإسلام كالأساس للبنيان، قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) (المزمل:20). وأمروا بحسن الخلق ولو مع المشركين، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (العنكبوت:8). وعلموا أن واجب المرحلة هو السعي بالدعوة وإصلاح القلوب والجوارح،
ومن عوامل الثبات في زمن الاستضعاف والاضطهاد: التعلق بالآخرة والزهد في الدنيا: فقد أيقنوا وآمنوا بيوم القيامة والجزاء والعقاب، قال تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (آل عمران:25). وأيقنوا أن الدنيا قصيرة والحساب سريع، قال تعالى: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (الأنبياء:1)، وقال تعالى: (أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ . لِيَوْمٍ عَظِيمٍ . يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين:4-6). وأيقنوا أن المؤمن ليس حاله كالفاجر، قال الله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ . أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ . وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (السجدة:18-21). ولهذا فقد تصبروا على أذى الدنيا بما عند الله من النعيم: قال تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17).
الدعاء