خطبة عن (يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)
أغسطس 24, 2025الخطبة الأولى (كيف تتعامل مع القرآن؟)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29) ص، وقال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (2) البقرة، وقال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (15)، (16) المائدة، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (9) الاسراء،
إخوة الإسلام
يختلف الناس كثيرا في تعاملهم مع القرآن الكريم، فالكثير منهم: لا حظ له مع القرآن، لا تلاوة، ولا تدبرا، ولا عملا، ومنهم: من حظه من القرآن تلاوته فقط، دون تدبر، ولا فهم، ولا العمل به، وقصده من ذلك أجر التلاوة فقط، وآخر حظه من القرآن: وضع المصحف في البيت، أو السيارة، أو على مكتبه، أو يرقي به نفسه وولده فقط، لأنه كتاب فيه الخير والبركة، والشفاء، وآخرون حظهم من القرآن: تلاوته في المحافل، والموالد، والمآتم، فهو يتكسب به، ومنهم حظه الاهتمام الشديد بإتقان أحكام التلاوة والتعمق فيها، دون أن يصاحب ذلك اهتمام مماثل بالمعنى، أو التطبيق العملي لما جاء فيه،
وهؤلاء جميعا أخطأوا في تعاملهم مع القرآن، ولم يفهموا الغرض من إنزاله، كما قال الحسن البصري (رحمه الله): (إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، ولم يأتوا الأمر من أوله، وقد قال تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ] {ص:29}. وما تدبر آياته إلا اتباعه لعلمه. أما – والله – ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله قرأت القرآن كله وما أسقطت منه حرفاً..قد والله أسقطه كله، ما رئي القرآن له في خلق ولا عمل)،
فالقرآن الكريم منهاج حياة، ودستور أمة، قال الفضيل بن عياض: (إنما هذا القرآن ليعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً، قيل: كيف العمل به، قال: أي ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه). فليست العبرة في التلاوة بمقدار ما يقرأ المرء، وإنما العبرة بمقدار ما يستفيد، فالقرآن لم ينزل بركة على النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظه مجردة عن المعاني، بل إن بركة القرآن في العمل به، واتخاذه منهجاً في الحياة، يضيء سبيل السالكين، فيجب علينا حين نقرأ القرآن أن يكون قصدنا من التلاوة أن نحقق المعنى المراد منها، وذلك بتدبر آياته وفهمها والعمل بها.
ولست أعني بذلك التقليل من شأن الثواب المترتب على قراءة القرآن، بل أعنى إعادة النظر في طريقة تعاملنا معه، فقيمة القرآن وبركته الحقيقية تكمن في معانيه، ولأن اللفظ وسيلة لإدراك المعنى، كان التوجيه النبوي الإكثار من تلاوته، وتحفيز الناس على ذلك، من خلال الثواب الكبير المترتب على قراءته، فإذا ما نظرنا إلى الهدف الأسمى من نزول القرآن، وربطنا بينه وبين ما رتَّب الشارع الحكيم على قراءته من ثواب عظيم، لوجدنا أن من أهداف هذا الثواب: تشجيع المسلمين على دوام الاقتراب منه، حتى يهتدوا بهداه، ويستشفوا بشفائه.. أما أن نقترب منه، وليس لنا هدف إلا الثواب، أو الأجر، أو البركة، دون الالتفات إلى المعنى المقصود من الخطاب، فمما لا شك فيه أننا بذلك التعامل الشكلي سنخسر كثيراً، ولن يحقق فينا القرآن مقصوده،
فإذا كان مجرد قراءة القرآن بألفاظه فقط، دون تدبر، سيحقق لصاحبه الهدف الذي نزل لأجله القرآن، فلماذا إذن فُضّلت سورة من سوره مثل سورة الإخلاص، والتي تعد قراءتها بثلث القرآن.. هل لألفاظها فقط كان التفضيل، أم بما تحمله من معانٍ عظيمة؟، وهل من قرأها بلسانه فقط سيحقق المقصد من تفضيلها؟، ولو كان الأمر كذلك، لأستوى المصلون في درجاتهم عند الله، طالما حققوا شروط وواجبات الصلاة بأجسامهم دون قلوبهم. ألم يقل رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّى الصَّلاَةَ مَايُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا»، وكذلك الدعاء: فما قيمة رفع اليدين بالدعاء والقلب غافل لاه؟ يقول صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: (فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ»، وفيه أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ». ولذلك فنحن نقرأ القرآن منذ سنوات وسنوات، وختمناه مرات ومرات، وكان كل همنا الانتهاء من الورد أو السورة، دون الالتفات إلى المعنى، فماذا غير القرآن فينا؟، وكثير من أطفال المسلمين ختموا القرآن حفظا، ولكنه لم يغير من سلوكهم، لأنهم حفظوا ألفاظ القرآن فقط، ولم يتربوا على معانيه، والعمل بما جاء فيه، والتخلق بأخلاقه، وفي مسند أحمد: (عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ سَأَلَتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنُ). وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن). وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا (أنهم كانوا إذا علموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا). فقراءة السلف للقرآن كانت وسيلة لفهمه وتدبره والفقه فيه والعمل به.
أيها المسلمون
والبعض قد يتصور أن معنى التدبر: إعمال العقل في كل كلمة من كلماته، والتدقيق الشديد فيها، والغوص في معانيها، وهذا التصور يجعل من التدبر عملية شاقة، لا يستطيع أحد أن يستمر عليها، ولكن تدبر القرآن هو وسيلة لدوام التذكر بما هو مطلوب منا، ومن خلاله تتضح الرؤية لطريق الهدى، وبه يتعظ القلب فيزداد إيماناً ويقوى. قال تعالى: [وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا] {طه:113}. فليس المقصد من تدبر القرآن إظهار أنواع الإعجاز البياني واللغوي، وإمتاع العقل بما فيه من أدب وتاريخ وقصص- وإن كان كل هذا من محتوياته- بل المقصد الأساسي هو المعنى الذي يخرج به قارؤه مما يجعله في حالة من دوام التذكر، كما قال تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ] {ص:29}. فالقارئ للقرآن يتفكر في المعنى الإجمالي للآية، وارتباطها بجوانب الهداية، وأما ما أشكل عليه فهمه، فليتركه لعالمه سبحانه وتعالى، وغالباً ما سيجد ما يوضحه في موضع آخر بالقرآن، ففي مسند أحمد: (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِساً مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمُرَ النَّعَمِ أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جُلُوساً عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ فَجَلَسْنَا حَجَرَةً إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُغْضَباً قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ يَرْمِيهُمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُ «مَهْلاً يَا قَوْمُ بِهَذَا أُهْلِكَتِ الأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ بِاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضاً بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ».
ومن هنا نقول: أن من تبين له بوضوح الهدف الأساسي من نزول القرآن، ستسهل عليه قراءة القرآن وتدبره، وسيخرج بالكثير من جوانب الهداية، أما من لم يتضح له هذا الهدف، ولم يستشعر عظيم حاجته إليه، فسيصعب عليه التدبر، ولن يستطيع المداومة عليه، لعدم وجود قضية تشغله، يعلم أن في القرآن حلها، وحسبنا في ذلك قول ابن تيمية: (من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له الحق). فأهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته، هم أولئك الذي فهموا مراد الله من إنزاله القرآن ،فانكبوا عليه، وعملوا به، ودعوا الخلق إليه، ولعل هذا هو ما كان يقصده الحسن البصري بقوله: (إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه وإن لم يكن يقرؤه). وقال ابن تيمية: دخل في قوله صلى الله عليه وسلم” خيركم من تعلم القرآن وعلمه ” تعليم حروفه ومعانيه جميعاً، بل تعلم معانيه هو المقصد الأول من تعلم حروفه، وذلك الذي يزيد الإيمان، كما قال جندب بن عبد الله وعبد الله بن عمر وغيرهما : تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيماناً، وأنتم تعلمتم القرآن ثم تتعلمون الإيمان.. ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة الواحدة.
أيها المسلمون
فالقرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعباد، وليس كتابا لذكر عجائب الدنيا، فهو منهج لتقويم الحياة والمجتمع، على أساس الرابطة بينهم وبين ربهم، قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (24) الأنفال. وقال تعالي {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (122) الأنعام. فالقرآن الكريم روح تسري في دماء الأمة، وهو سبب حياتها بالأمس، بعد موت طويل، وهو الذي جمع شملَها بعد شتاتٍ، وهو سبب هدايتها بعد الضلال، وسبب علمها بعد الجهل، وهو الذي جعلها {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (110) آل عمران
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (كيف تتعامل مع القرآن؟)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
فالقرآن الكريم نضعه في بيوتنا، وقلوبنا، وأعمالنا، ومدارسنا، ومعاهدنا، ومصانعنا، وجميع مؤسساتنا، لأنه اشتمل علي كل شيء، ففيه حل لجميع مشاكلنا، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (89) النحل، وقال الخليفة الأوَّل: “لو ضاع منّي عقال بعيرٍ لوجدتُه في كتاب الله”. فالقرآن الكريم تبيانٌ وبيان تامٌّ لكلِّ ما يَحتاجه الإنسان في مسيرته في الحياة الدُّنيا؛ من عقيدةٍ صحيحة، وسلوكٍ قويم، وشريعةٍ مُحْكَمة، فلا حجَّة بعده لِمحتجٍّ، ولا عذر لمعتذر، فلا عقيدةَ أو سلوكًا أو شريعةً يَرضاها الله إلاَّ ما جاء فيه، ولا صلاح للفَرْد والجماعة، إلاَّ بهذه العقيدة والعبادة والسُّلوك، والشرع والحكم الإلهي التام الكامل المُنَزَّه عن الشبهات والهوى؛ فالله سبحانه الذي خلَق الإنسان، وهو من يبيِّن له ذلك وحده؛ ففيه بيانُ الأصول والعقائد، والقواعد لكل شيء. وقد روى مسلم في صحيحه: (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّى فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ». فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، فكتاب الله هو حَبْلُ اللهِ المتينُ، من اتَّبعه كان على الهدى، ومن ترَكه كان على الضلالة، وروى ابن حبَّان في “صحيحه” عن أبي شُرَيح رضي الله عنه قال: خرج علينا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: (أبشِروا؛ أليس تَشْهدون أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قالوا: نعَم، قال: فإنَّ هذا القرآن طرَفُه بيد الله، وطرفه بأيديكم؛ فتمسَّكوا به، فإنَّكم لن تضِلُّوا ولن تَهْلِكوا بعده أبدًا). وأخرج الدارمي عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون فِتَنٌ قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا). هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم).
أيها المسلمون
القرآن منهج حياة متكامل صالح لكل زمان ومكان فهو: نظام داخلي للحكم: يتحقق ذلك من قول الله تبارك وتعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) (49) المائدة، وهو نظام للعلاقات الدولية: ويتحقق ذلك من قول القرآن الكريم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (143) البقرة، وهو نظام عملي للقضاء: يُستمد من الآية الكريمة: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (65) النساء، والقرآن نظام للدفاع والجندية: فيحقق مرمى النفير العام وذلك من قول الله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (41) التوبة، وهو نظام اقتصادي: نظام اقتصادي استقلالي للثروة والمال والدولة والأفراد أساسه قول الله تعالى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً) (5) النساء، والقرآن نظام للثقافة والتعليم: يقضي على الجهالة والظلام, ويطابق جلال الوحي في أول آية من كتاب الله: (ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ (2) ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ (3) ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ (4) عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ) 1:5العلق، وهو نظام للأسرة والبيت: ينشئ الصبي المسلم والفتاة المسلمة والرجل المسلم ويحقق قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (6) التحريم، والقرآن نظام في إصلاح الفرد: في سلوكه الخاص يحقق الفلاح المقصود بقوله تعالى: (وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا (7) فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا (8) قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا (9) وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا) (7) :(10) الشمس، وهو روح عام يهيمن على الأمة كلها: وقوامه قول الله تعالى: (وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) (77) القصص.
الدعاء