خطبة عن (عَمَلُكَ الصَّالِحُ)
يونيو 28, 2025خطبة عن (طمع المؤمن فِي رَحْمَةِ اللَّهِ) مختصرة
يونيو 28, 2025الخطبة الأولى (علامات في الطريق إلى الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153) الانعام، وروى الإمام أحمد في مسنده: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ – ثُمَّ قَالَ – هَذِهِ سُبُلٌ – قَالَ يَزِيدُ – مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)، وفيه أيضا: (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِي يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ».
إخوة الإسلام
إن الطريق إلى الله تعالى لهو سهل وميسور، ولكن تعتريه بعض المصاعب والعقبات والمضلات، ولابد للسائر في هذا الطريق أن يتعرف عليها، ويجتازها، ليصل إلى الله تعالى بقلب سليم، ويسكن في جوار الحمن في جنات النعيم، وقد وضع الشرع الحكيم في هذا الطريق علامات ومنارات واشارات، ليهتدي بها السائر، ويحذر من العقبات والمضلات، والسؤال الذي نحاول الاجابة عليه اليوم: ما هي تلك العلامات والمنارات والاشارات؟، وما هي تلك العقبات؟، وكيفية التخلص منها للوصول إلى دار السلام، وبر الأمان، في جوار الملك الديان،
وبداية نقول: إن العلامات والمنارات على الطريق هي علامات ارشادية، ومنارات مضيئة، وخطوط واضحة، تدل على صحة السير والمسير، حتى لا نضل عن سواء السبيل، وأول هذه العلامات: تحقيق التوحيد الخالص لله تعالى، فإنه لا سعادة ولا سرور في الدنيا والآخرة إلا بتحقيق التوحيد الخالص، وكلمة التوحيد: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، فهي كلمة الإخلاص، وكلمة الشهادة، وكلمة النجاة، وهي مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة، وتحقيق التوحيد الخالص لله تعالى له درجتان: (درجة واجبة، ودرجة مستحبة)، فالدرجة الواجبة: تتحقق بثلاثة أمور، وهي: ترك الشرك بجميع أنواعه، الأكبر والأصغر والخفي. وترك البدع بأنواعها. وترك المعاصي بأنواعها.
وأما الدرجة المستحبة: فهي التي يتفاضل فيها الناس، ويتفاوتون تفاوتاً عظيماً وهي: ألا يكون في القلب شيء من التوجه لغير الله، أو التعلق بسواه؛ فيكون القلب متوجهاً بكليته إلى الله، وليس فيه التفات لسواه، فنطقه لله، وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله جل جلاله، فالتوحيد الخالص ليست كلمة يرددها المرء بلسانه، ثم ينطلق وقد أفلت لهواه الزمام، فهذا فهم خاطئ للتوحيد، لأن الله تعالى لما خلق الخلق، أخذ عليهم العهد والميثاق، بأن الكون كونه، وأن الملكوت ملكوته، فلا يتصرف فيه أحد إلا بإذنه، فقال سبحانه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف:172]، فمقتضى (لا إله إلا الله محمد رسول الله) (كلمة التوحيد) ألا نأكل ولا نشرب ولا نتنفس ولا نعيش إلا بها ولها ومن أجلها، فإنها الدين الشامل، ومنهج الحياة الكامل، وهذا هو التوحيد الصحيح، قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (162)، (163) الانعام.
وأما عن العلامة والمنارة التالية من علامات الطريق إلى الله، فهي: اخلاص النية والارادة لله تعالى: قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة:5]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر:2]. فالإخلاص: هو صرف العبد العمل مُتقربًا به إلى الله وحدَه، لا رياءً ولا سمعةً، ولا طلبًا للدنيا، ولا تصنُّعًا للخلق؛ وإنما يرجو به ثواب الله تعالى، ويخشى عقابه، ويطمَع في رضاه، فالإخلاص للهِ تعالى هو أساس كل عملٍ، وهو غايةُ كل مُرِيد، فعملٌ بلا إخلاص لا أجرَ له، فأول ما يجب على السائر في طريق الله تعالى تحقيق الإخلاص لله تعالى في كل العبادات والأعمال الصالحة، والابتعاد والحذر عن كل ما يضاد الإخلاص وينافيه، كالرياء والسمعة والعجب ونحو ذلك.
ومن علامات الطريق إلى الله تعالى: طلب العلم الشرعي، الذي تستقيم به أعماله، وتصح به عباداته، والمقصود بالعلم الشرعي، علم الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9]. وقال تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18] وقال تعالى :﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة:11]. وفي الصحيحين: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ»،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (علامات في الطريق إلى الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ». وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة الجهل بالدين وأحكامه: ففي سنن أبي داود وغيره: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ». أَوْ «يَعْصِبَ» .شَكَّ مُوسَى «عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ». فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الجهل داءً، وذكر -صلى الله عليه وسلم- دواء هذا الداء، ألا وهو: سماع العلماء وسؤالهم، وتعلم العلم الواجب تعلمه.
ومن علامات ومنارات الطريق إلى الله تعالى: الاتباع وعدم الابتداع في الدين: قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة (3)، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ [النساء:69]. وفي سنن الدارمي: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: اتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ)، وفي سنن النسائي وغيره: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ «مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ» وفي سنن ابن ماجه وغيره: (وَسَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِى اخْتِلاَفًا شَدِيدًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». فمن أعظم أسباب التفرُّق والضلال هو ترك السُنَّة واتِّباعُ البِدعة، فالدِّين قد كَمُل، ولا نقصَ فيه، ولا شائبة تشوبه، وقد بلَّغ نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدَّى الأمانةَ، فمن ابتدع بدعة في الإسلام فكأنه يقول: إنَّ الدين ناقصٌ لم يَكتمِل، وإن محمدًا صلى الله عليه وسلم لم يُبلِّغ الرسالة، وحاشاه من ذلك.
ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله تعالى
الدعاء