خطبة عن (سُبل وأسباب النجاة) مختصرة1
يونيو 28, 2025خطبة عن (ردود الأفعال عند النبي المختار)
يونيو 28, 2025الخطبة الأولى (سُبُلُ الْجِهَادِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (69) العنكبوت
إخوة الإسلام
الجهاد في سبيل الله من أفضل القُربات، ومن أعظم الطَّاعات، قال الله تعالى: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (41) التوبة، وقال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج:78، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ فَقَالَ « إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»
والمتدبر لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (69) العنكبوت، يتبين له أن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال، وأن الجهاد في هذه الآية ليس خاصا بمن يقاتل في سبيل الله، بل المراد بالجهاد هنا الجهاد العام -والذي من أعلاه القتال في سبيل الله- قال ابن القيم: (علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا. فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد). وقال الجنيد: (والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة، لنهدينهم سبل الإخلاص، ولا يتمكن من جهاد عدوه في الظاهر، إلا من جاهد هذه الأعداء باطنا، فمن نصر عليها نصر على عدوه، ومن نصرت عليه، نصر عليه عدوه).
ودلت هذا الآية على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه اللّه ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل اللّه، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين،
وتبين الآية الكريمة أيضا: أن مجاهدة النفسِ التي يُعين الله صاحبَها عليها هي ما كانت فيه وفي مَراضيه، فمن أفرض الجهاد جهادُ النفس والهوى، والشيطان والدنيا، فمَن جاهدها كلَّها في الله هداه سبحانه سبُلَ رضاه الموصلةَ إلى جنَّته، وإلا فاته من الهدى بحسب ما عطَّل من الجهاد، ومَن أراد معيَّة الله تعالى وتوفيقه، وحمايته وتسديده، فليكن من المحسنين في عبادة الله، المحسنين إلى عباد الله، والذين بذلوا جهدهم في سبيل إعلاء دين الله، وقدموا أنفسهم وأموالهم في سبيل رضا الله، وأخلصوا لله العبادة والطاعة، فالله لن يتخلى عنهم، بل سيهديهم إلى الطريق المستقيم، ويجعل العاقبة الطيبة لهم، فقد اقتضت رحمة الله وحكمته أن يكون مع المحسنين في أقوالهم وفي أفعالهم، وتلك سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل.
وفي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 69]. فالمقصود بالسبل: كتاب ربنا، وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – في هذا المقام – فيما رواه الإمام أحمد، عن وابصة بن معبد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “جِئْتَ تَسْأَلُنِي عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ نَعَمْ فَجَمَعَ أَنَامِلَهُ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِنَّ فِي صَدْرِي وَيَقُولُ يَا وَابِصَةُ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ”. فهذا هو السبيل من كتاب ربك وقول رسول الله، فلا تتبع قول كل متكلم مباشرة مهما كان علمه ولا مركزه ولا شهرته، فارجع مرة أخرى إلي كتاب ربك وسنَّةِ نبيك فسيهديك ربك إلي هداه، يا أهل القرآن الكريم: هذا كتابنا ينطق بالحق فلا تتبعوا كلام البشر دون الرجوع إلى كتاب الله الذي حفظه الله من كل تحريف؛ ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف:170]. ولا يكفي أن يقول الناس آمنا وهم لا يفتنون، فقد قال الله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (2)، (3) العنكبوت،
فالمجاهدون في سبيل الله لا بد أن يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها، ويخرجوا منها صافية عناصرهم، خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به، فيا وجهت وجهك للجهاد في سبيل الله، ويا من نصبت نفسك للدعوة، وأقمت نفسك مقام الرسل والمصلحين، تحمَّل كلَّ ما يلاقيك من المحن بقلب ثابت، وجأش رابط، ولا تزعزعنَّك الكروب؛ فإنها مربِّية الرجال، ومهذِّبة الأخلاق، ومكوِّنة النفوس ،فوطِّن النفس على تحمُّل المكروه، وابذل كل ما تستطيع من قوة ومال، يهدك الله طريقاً راشداً، ويصلح بك جماعات وأمماً.
فمن رام الهداية والتوفيق ـ وهو يسير في طريق الجهاد والدعوة ـ فليحقق هذين الأصلين الكبيرين اللذين دلّت عليهما هذه الآية: أما الأصل الأول: فهو بذل الجهد والمجاهدة في الوصول إلى الغرض الذي ينشده الإنسان في طريقه إلى الله تعالى. والأصل الثاني هو: الإخلاص لله، لقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} فليس جهادهم من أجل نصرة ذات، ولا جماعة على حساب أخرى، وليس من أجل لعاعة من الدنيا، أو ركض وراء كرسي أو منصب، بل هو جهادٌ في ذات الله تعالى. وإنما نُبّه على هذا الأصل ـ وهو الإخلاص، لأن من الدعاة من قد يدفعه القيام بالدعوة، أو بأي عمل نافع، الرغبة في الشهرة التي نالها الداعية الفلاني، أو يدفعه نيل ثراء ناله المتحدث الفلاني.. فجاء التنبيه على هذا الأصل الأصيل في كل عمل صالح، وأن الإنسان قد يبدأ مخلصاً، ثم لا يلبث أن تنطفئ حرارة الإخلاص في نفسه ، كلما لاح أمام ناظريه شيء من حظوظ النفس، والأثرة، أو التطلع إلى جاه، والرغبة في العلو والافتخار، أو الانتصار.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (سُبُلُ الْجِهَادِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أبلغ صور الجهاد: الصبر على الفتن بنوعيها: فتن السراء، وفتن الضراء، وكان عمر بن عبدالعزيز: يقول: “جهلنا بما علمنا تركنا العمل بما علمنا ولو عملنا بما علمنا لفتح الله على قلوبنا غلق ما لا تهتدي إليه آمالنا)، ومن سلك طريقا لطلب العلم، فطال عليه بعض الشيء فهو بحاجة أن يتأمل معاني هذه الآية الكريمة، ومن فرّغ جزءً من وقته لتربية النشء، والشباب، أو لتعليم أبناء وبنات المسلمين كتابَ الله عز وجل ـ وقد دبّ عليه الفتور ـ فهو بحاجة ماسّة ليتدبر هذه القاعدة، فكلُّ من نصب نفسه لعمل صالح، سواء كان قاصراً أم متعدياً، فعليه أن يتدبر هذه القاعدة كثيراً، فإنها بلسمٍ شافٍ في طريق السائرين إلى ربهم، ويوشك المؤمن أن ينسى كلَّ ما واجهه من تعب ونصب، إذا وضع قدمه على أول عتبة من عتبات الجنة.
الدعاء