خطبة عن حديث (أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي)
سبتمبر 7, 2025الخطبة الأولى (فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه: (عَنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي فَقَالَ «مَا شِئْتَ». قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ. قَالَ «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ النِّصْفَ. قَالَ «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ قَالَ «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا. قَالَ «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»
إخوة الإسلام
يقول الله تعالى في محكم آياته: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب (56)، وصلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه، وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم عليه: طلب ذلك له من الله تعالى؛ ونقل عياض عن بكر القشيري قال: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الله تشريف، وزيادة تكرمة ،وعلى من دون النبي رحمة، والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، والتنويه به ما ليس في غيرها،
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته، وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود، وعلى هذا فالمراد بقوله تعالى صلوا عليه: ادعوا ربكم بالصلاة عليه .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو رحمة مهداة، ونعمة مسداة، وأمتع الكلام ما كان فيه ذكر نعمة الله، والإشادة بإحسانه عز وجل، ومن أعظم النعم التي تفضل الله تعالى بها علينا أن جعلنا من أمة الإسلام، وتفضل علينا فجعلنا من أمة رسوله محمد (عليه الصلاة السلام)؛ فهو صلى الله عليه وسلم البشير النذير، وهو السراج المنير، والرؤوف الرحيم بأمته، العطوف الحريص عليها،
والحديث عن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هو مفتاح القلوب، وبهجة النفوس، فأسعد الناس حظا في الدنيا والآخرة من يوفقه الله تعالى لعبادته، وللصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فالصلاة عليه هي من أجل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى رب الأرض والسموات، وينال بها مناه في الدنيا والآخرة ، فأولى الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحقهم بتقديره، وأخصهم بعنايته،وأقربهم منه يوم القيامة: أكثرهم عليه صلاة صلى الله عليه وسلم، ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَىَّ صَلاَةً»،
فواجب على المؤمنين أن يعملوا بشريعته، وأن يتمسكوا بسنته، وأن يكثروا من الصلاة والسلام عليه، دائماً أبداً، فإذا كان الله سبحانه وتعالى في عظمته وكبريائه، وملائكته في أرضه وسمائه، يصلون على النبي الأمي صلى الله عليه وسلم تعظيماً لشأنه، وإظهاراً لفضله، وإشارة إلى قربه من ربه، فما أحوجنا نحن الفقراء إلى رحمة الله عز وجل، أن نكثر من الصلاة والسلام عليه ، امتثالاً لأمره تعالى، وقضاء لبعض حقه صلى الله عليه وسلم علينا، فقد أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، وهدانا الله به إلى الصراط المستقيم، وجعلنا به صلى الله عليه وسلم من خير الأمم، وفضلنا به على سائر الناس أجمعين، وكتب لنا به الرحمة التي وسعت كل شيء؛ قال الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الأعراف (156) ،(157) ،
هذا وقد حثنا صلى الله عليه وسلم على الصلاة عليه لننال بذلك صلاة الله علينا، وننعم بالقرب منه يوم القيامة ففي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا»، وفي سنن النسائي: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ،وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ،وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ»، وفي مسند الإمام أحمد: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ يَقُولُ :«مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرَ».
أيها المسلمون
وفي الحديث المتقدم: قَالَ الصحابي الجليل: (أُبَيٌّ بن كعب) قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: (إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي) فَقَالَ: «مَا شِئْتَ». قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ. قَالَ «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قَالَ: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ قَالَ :«مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا. قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»،
ففي هذا الحديث يحث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته بكثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، أي: الدعاء له، فإذا جعل المسلم وقتًا يصلي فيه على النبي ﷺ كثيرًا، فالله جل وعلا يأجره على ذلك كثيرا، فالحسنة بعشر أمثالها، إلى ما لا يحصى من الفضل، وفي قول النبي ﷺ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»، قال بعض أهل العلم: هذا السائل له وقت خصصه للدعاء، فإذا صرف ذلك الوقت كله في الصلاة على النبي ﷺ؛ حصل له هذا الفضل: (إذًا تكفى همك) يعني: يكفيك الله همك، ويغفر لك ذنبك. ووجه كفاية المهمات: بصرف ذلك الزمن إلى الصلاة عليه، أنها مشتملة على امتثال أمر الله تعالى، وعلى ذكره وتعظيمه، وتعظيم رسوله، فأيّ فوائد أعظم من هذه الفوائد، ومتى يظفر المتعبد بمثلها فضلا عن أنفس منها، وأنى يوازي دعاؤه لنفسه واحدة من تلك الفضائل ، التي ليس لها مماثل.
أيها المسلمون
والفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كثيرة: فبالإكثار من الصلاة والسلام على النبي المختار يفتح الله أبواب الخير، فالصلاة عليه تشرح الصدور، وتزيل الهموم، وترفع مقام العبد، فيسمو بها إلى الدرجات العلى، والمنازل الشريفة، وقد جاءت الأحاديث مستفيضة في هذا، توضح فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتبين مكانة المكثر من الصلاة عليه.
فالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هي امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى، وموافقته سبحانه في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وموافقة ملائكته فيها، ثم حصول عشر صلوات من الله على المصلي مرة، وأنه يرفع عشر درجات، ويكتب له عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيئات. ويرجى إجابة دعائه إذا قدمها أمامه، فهي تصعد بالدعاء إلى رب العالمين. وهي سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له أو أفردها، وسبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهي تقوم مقام الصدقة لذي العسرة، وسبب لقضاء الحوائج، وهي زكاة للمصلي، وطهارة له، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب لتبشير العبد بالجنة قبل موته، وسبب للنجاة من أهوال يوم القيامة، وبها يرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه، وبها يذكر العبد ما نسيه، وهي سبب لطيب المجلس، بأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة، حيث تنجي من نتن المجلس، وهي سبب لنفي الفقر، واسم البخل، إذا صلى عليه عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وبها يخرج العبد عن الجفاء.
والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لقبول الدعاء، وسبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل الأرض والسماء، كما يحصل بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم البركة في ذات المصلي ، وفي عمله وعمره، وأسباب مصالحه، وهي تضاعف حبه له، وتزايد من شوقه إليه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، فالمكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب الدليل القاطع، والبرهان الساطع على محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والحبيب صلى الله عليه وسلم يبشره بأنه مع من أحب. فقد أخرج البخاري 🙁عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ»
أيها المسلمون
وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحاديث أن الذي لا يذكر النبي عند ذكر اسمه فهو بخيل، ففي سنن الترمذي: (عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ)، فينبغي على المُسلم المُبادرة إلى الصلاة على النبي عند ذكره. دلالة على توقير النبي، وزيادة في محبته، لقول الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (8) ،(9) الفتح، ومعنى توقير النبي: تشريفه ،وتكريمه وتعظيمه، والصلاة عليه من أعظم أنواع التوقير والتشريف له.
والصلاة على النبي سببٌ في استجابة الدُعاء، فلا بد للمُسلم أن يأخذ بأسباب الاستجابة، ومن أعظم هذه الأسباب الابتداء بحمد الله، ثم الصلاة على النبي، ففي سنن الترمذي وغيره: (أن فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «عَجِلَ هَذَا». ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ»،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وتستحب الصلاة والسلام على النبي محمد “صلى الله عليه وسلم”؛ في كل الأوقات، وخاصة يوم الجمعة؛ ففي سنن أبي داود: (عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ». قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ يَقُولُونَ بَلِيتَ. فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ».
أما عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فقد وردت هذه الكيفية من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، ومنها: ما رواه البخاري في صحيحه: (عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي . فَقَالَ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلاَمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي قَالَ «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ»، قال السخاوي: الجمهور على أن الأجر يحصل للمصلي بكل لفظ أدى المراد من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم).
وهذه الكيفية التي علم صلى الله عليه وسلم أصحابه إياها عندما سألوه عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هي أفضل كيفيات الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وأكملها الصيغة التي فيها الجمع بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم وآله. وإن كان ابن حجر رحمه الله استدل بأن الصلاة التي يحصل بها الأجر والثواب هي الصلاة الإبراهيمية)، فإنه اعتبر أن أبر الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اختاره صلى الله عليه وسلم لنفسه)،
وقد درج المحدثون بذكر الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم عند ذكره بصيغتين مختصرتين: إحداهما (صلى الله عليه وسلم) ،والثانية: (عليه الصلاة والسلام). يقول الإمام ابن الصلاح: ينبغي له – يعني كاتب الحديث – أن يحافظ على كتابة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره، فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته، ومن أغفل ذلك حرم حظا عظيما)، وقال الفيروزبادي رحمه الله: ولا ينبغي أن ترمز للصلاة كما يفعله بعض الكسالى والجهلة وعوام الطلبة فيكتبون (ص) بدلا من صلى الله عليه وسلم).
الدعاء