خطبة عن (الوَعْدُ الحَسَنُ بالحياة الطيبة)
يوليو 5, 2025خطبة عن حديث (َالنَّاسُ أَرْبَعَةٌ)
يوليو 5, 2025الخطبة الأولى (النَّصْر مَعَ الصَّبْرِ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «… وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
إخوة الإسلام
(النصر مع الصبر) هذه سنة باقية من سنن الله في خلقه، ووعد صادق من العليم الخبير ،فحين تلتقي الجيوش، وتشتد المعارك، يظفر بالنصر من وفق للصبر؛ ولذلك، فقد أوصى الله عباده المؤمنين بالصبر حين لقاء العدو، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الانفال:45،46). فالنصر على الأعداء، إنما يكون مع الصبر على الجهاد، وعدم الفرار، وقد جاء في مسند أحمد: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُ فَاصْبِرُوا».
نعم، (وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ): فقد منحتنا غزة وأهلها الصابرون الصامدون المرابطون دروسا عظيمة في التحمل والصبر، وعلمنا طوفان الأقصى أن المعركة عندما تطول مع أهل الباطل، فإن الغلبة والنصرة تكون لأصحاب العقيدة الثابتة، والإيمان الراسخ، إذا تحلوا بالصبر، وتمسكوا بالمبدإ، فالعاقبة لأهل الحق المتقين؛ قال الله تعالى: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) الأعراف (128)،
فملحمة الصبر والثبات على الحق، ملحمة سطرها أهل غزة للعالمين؛ فعلمتنا غزة كيف تُصنع الكرامة، وممن يُستمد النصر، وإلى من يُفوض الأمر، وكيف يكون التوكل الحقيقي، ومعنى حسن الظن بالله، وصدق اللجوء إليه، فالنصر بإذن الله قادم، والليل مهما أرخى سدوله، واشتد سواده، فإن نور الصبح قريب، قال تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (104) النساء، وقال تعالى :(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (139)، (140) آل عمران،
فعلينا أن نستمسك بالصبر، فالطريق أمام المؤمنين طويل، ومليء بالصعوبات، وما يجده المؤمنون من اضطهاد وضيم، هو من البلاء والتمحيص، ليميز الله الخبيث من الطيب، فلا يصيبنا اليأس والقنوط، فالمعركة معركة إيمان وصبر وثبات وتمسك بالمبادئ، والصبر ليس مجرد كلمة ترددها الألسن، مع ضيق الصدر، إنما هو الذي يصاحبه الرضا، ولا يصاحبه التسخط، والمؤمن في حياته الدنيا بين الصبر والشكر، فإن أصابه ما يكره صبر، وإن أصابه ما يحب شكر، والصابر والشاكر في الجنة، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
حقا: (وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ): فالناس بفطرتهم يتمنون النصر، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل النصر منوطاً بالصبر، فإذا أردنا أن ننتصر فعلينا بالصبر، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف:90]، وفي الصحيحين: (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)، وفي سنن أبي داود: (فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (النَّصْر مَعَ الصَّبْرِ)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
نعم (وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ): فالمعركة عندما تَطول مع أهل الباطلِ، فإن الغَلَبة والنُّصرة تكون لأصحاب العقيدة الصحيحة، إذا تحلَّوا بالصبر والثبات على المبدإ، فتأمَّل كم مكَث فرعون يقتل في بني إسرائيل قبل مجيء موسى – عليه السلام – ثم كانت العاقبة للمستضعفين بعد صراع طويل ومرير مع أهل الباطل، وتأمَّل كم عانى يوسف – عليه السلام – في حياته ثم كانت العاقبة له، فبالصبر والتقوى، يتحقق النصر على الأعداء، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران:120]،
(وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ): فالإسلام قائم ومُنتشِر، وسيزداد انتشارًا بإذن الله تعالى؛ ففي مسند أحمد: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».
(وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ): فنصر الله للمؤمنين آتٍ بإذن الله تعالى، ولكن علينا أن نستمسِك بالصبر، مع الأخذ بالأسباب،
والصبر هنا يشمل: الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة؛ فإذا صبر الإنسان وصابر ورابط؛ فإن الله سبحانه ينصره، وفي سنن الترمذي: (وَسَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ. فَقَالَ «سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلاَءَ فَسَلْهُ الْعَافِيَةَ».
الدعاء