خطبة عن (لَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)
يوليو 7, 2025الخطبة الأولى (جُنْدُ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (171): (173) الصافات، وقال تعالى: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (7) الفتح، وقال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (31) المدثر.
إخوة الإسلام
من سنن الله تعالى في كونه: غلبة المؤمنين على الكافرين، وانتصار الحق على الباطل، وظهور الإيمان على الكفر، والصدق على الكذب، ودين السماء على أديان الأرض، وغلبة جند الله على جند الشيطان، فهذه سنة ثابتة ماضية إلى يوم القيامة، كغيرها من السنن الكونية، قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55)، وقال سبحانه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج:40)،
فهذه الآيات وغيرها الكثير، تؤكد أن سُنة الغلبة لجند الله المؤمنين سنة ماضية، مهما وُضعت في طريقهم العوائق والعراقيل، ومهما رصد الباطل لهم من قوى الحديد والنار، وقوى الدعاية والافتراء، وقوى الحرب والمقاومة، وقوى الإعلام المضلل، فما هي إلا معارك تختلف نتائجها، غير أنها تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لجنده وأوليائه، والذي لا يُخْلَف وعده، ولو قامت قوى الأرض كلها في طريقه، فالوعد بالنصر للمؤمنين، والغلبة، والتمكين لجند الله وأوليائه الصالحين.
ولا بد أن يكون معلوما لدينا: أن غلبة جند الله خاضعة لأسباب وشروط، لا بد لجند الله من أن يأخذوا بها، والسعي لتحصيلها؛ فقوله تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} فهذا الوعد مشروط بشروط بينها الله تعالى في كتابه، فمن شروط النصر وأسبابه: أن ينصر المسلمون ربهم، بنصرهم لدينه ولنبيه ﷺ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد:7، وقال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40)، ومن شروط النصر وأسبابه: تحقيق التوحيد، واجتناب الشرك بالله تعالى في ربوبيته أو ألوهيته أو أسمائه وصفاته، قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55)، ومن الشروط والأسباب: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج (40)، (41)، ومن الشروط والأسباب: الاستعانة بالصبر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} البقرة:153،
ومن الشروط والأسباب: إعداد العدة، والقوة التي ترهب الأعداء، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} الانفال:60، ومن الشروط والأسباب: اجتماع الكلمة، والسمع والطاعة في المعروف لولي الأمر المؤمن، واجتناب التنازع والاختلاف، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الانفال:46، ومن شروط النصر وأسبابه: الإخلاص لله تعالى، والجهاد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} الأنفال:47، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». فمتى حقق المسلمون شروط النصر وأسبابه، أعزّهم الله، ومكن لهم دينهم، ونصرهم نصراً عزيزاً، وقهر عدوهم، وأذلَّه، فإن تخلفت شروط النصر، تأخر النصر، حتى يعود المسلمون إلى ربهم، ويجددوا عهدهم ونيتهم، ويشحذوا عزيمتهم، قال تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الفتح 22-23].
أيها المسلمون
وليكن معلوما أيضا: أن وراء سنة الأخذ بالأسباب أمر آخر، لا يقل أهمية عن سُنَّة الأخذ بالأسباب، وهو أن غلبة جند الله مرهونة بتقدير الله، يحققها حين يشاء، وقد تبطئ آثارها الظاهرة بالقياس إلى أعمار البشر المحدودة، ولكنها لا تُخْلَف أبداً، ولا تتخلف، وقد تتحقق في صورة لا يدركها البشر؛ لأنهم يطلبون المألوف من صور النصر والغلبة، ولا يدركون تحقق السُّنَّة في صورة جديدة إلا بعد حين، فقد أراد المسلمون قبيل غزوة بدر أن تكون لهم عير قريش، وأراد الله أن تفوتهم القافلة، وأن يقابلوا النفير، وأن يقاتلوا الطائفة ذات الشوكة، وكان ما أراده الله هو الخير لهم وللإسلام، وكان هو النصر الذي أراده الله لرسوله وجنده ودعوته على مدى الأيام، قال تعالى: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (7)، (8) الانفال، وقد يُهزم جنود الله في معركة من المعارك، وتدور عليهم الدائرة، ويقسو عليهم الابتلاء؛ يقول الإمام الرازي في هذا المعنى: “فالمؤمن وإن صار مغلوباً في بعض الأوقات، بسبب ضعف أحوال الدنيا فهو الغالب، ولا يلزم على هذه الآية أن يقال: فقد قتل بعض الأنبياء، وقد هزم كثير من المؤمنين”؛ لأن الله يُعِدُّهم للنصر في معركة أكبر؛ ولأن الله يهيئ الظروف من حولهم؛ ليؤتي النصر يومئذ ثماره في مجال أوسع، وفي خط أطول، وفي أثر أدوم، تصديقاً وتحقيقاً لقوله تعالى: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (173) الصافات.
أيها المسلمون
(جُنْدُ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) هذه سنة ماضية من قديم الدهر، فقد أهلك الله عز وجل قوم نوح، وعادا، وثمود، وأصحاب الرس، وقوم لوط، وأهل مدين، وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل، وخالف الحق، وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين، فلم يهلك منهم أحدا، وعذب الكافرين، فلم يفلت منهم أحدا، ونصر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وكذبه وعاداه؛ فجعل كلمته هي العليا، ودينه هو الظاهر على سائر الأديان، وفي صحيح البخاري: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا. فَقَالَ «قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا – أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا – حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِى بَعْضُهُمْ بَعْضًا». فالمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة، فإذا كان الواقع الصغير، في جيل محدود، أو في رقعة محدودة، يخالف تلك الحقيقة، فهذا الواقع هو الباطل الزائل، الذي يوجد فترة في الأرض لحكمة خاصة، لعل منها استجاشة الإيمان، وإهاجته، لتحقيق وعد الله في وقته المرسوم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [المجادلة:۲۰- ۲۱].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (جُنْدُ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
إن أردتَم الغلبة على أعدائكم: فكنوا من جند الله، وتحت حزبه، فلن تُهزَموا أبداً، إلا إذا اختلت فيكم هذه الجندية، فالحق سبحانه يُعلِّمنا امتثال أمره، وأن نخلص في الجندية لله سبحانه، وأن ننضبط فيها لنصل إلى الغاية منها، وأن نرعى الأسباب حق رعايتها، فإن خالفنا حُرِمنا هذه الغاية؛ لأنه لو أعطانا الغاية مع المخالفة، لما أصبح لحكمه مكان احترام ولا توقير، ولذهب عن أمره معنى العبودية والامتثال، فمن صدق مع الله، فإن الله سيصدقه ومن نصر الله، فإن الله سينصره، ومن توكل على الله فهو حسبه، وجند الله الموعودون بالنصر؛ لا بد أن يكونوا أنصاراً لله, وأنصاراً لمنهج الله, وأنصاراً لدين الله, وأنصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ) [الصف:14]، وقال الله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد :25]، ولا يمكن شرعاً وعقلاً، أن يكون المرء جندياً لله، ونصيراً لله؛ وهو يوالي أعداء الله, ويتناصر مع أعداء الله, ولن يصل المسلمون إلى رتبة جند الله، وأنصار الله، إلا بالبراءة من كل منهج غير منهج الله، وكل تشريع يخالف شريعة الله، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [البقرة:257]
أيها المسلمون
إن نصر الله عز وجل لدينه ولعباده المؤمنين آت لا محالة، وإن التمكين للإسلام في الأرض سيتم بعز عزيز أو بذل ذليل، فهذا وعد الله سبحانه، والله لا يخلف الميعاد ، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:٥١]. وفي مسند أحمد: (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ». وفي مسند أحمد: (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ». ثُمَّ سَكَتَ)، وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ». قَالَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ «لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ». ثُمَّ اتَّفَقُوا «حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي». أَوْ «مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي». زَادَ فِي حَدِيثِ فِطْرٍ «يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا». وَقَالَ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ «لاَ تَذْهَبُ أَوْ لاَ تَنْقَضِي الدُّنْيَا حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي»،
أيها المسلمون
فتفاءَل أيُّها المسلِم، وأحسِن الظنَّ بربِك، واستبّشِر بصلاحِ الأحوالِ، ولو تفاقَم الشَّر، وترقَب النَّصرَ وإنْ تكالبَ الأعداءُ، وتوقع فَرجاً قريباً وإنْ استَحكَمت حلقاتُ البَلاءُ،
تفاءَل أيُّها المسلِم، فالشدائِدُ أقوى ما تكونُ اشتِداداً واسودِاداً، أقربَ ما تكُونُ انفِراجاً وانبِلاجاً، {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} الاسراء:51، تفاءَل وأحسِن الظَنَّ برَبِك، فكُلُّ ما يأتي مِنْ اللهِ جميلٌ، قال تعالى: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} النور:11،
تفاءَل أيُّها المسلِم: فالروضُ سيُورِق، والفجرُ سيُشرِق، والحقُّ سيعلو والباطِلُ سيزهَق، وإن بعد الجوعِ شبعاً، وبعْدَ الظَّمأ ريَّاً، وبعْدَ المرض عافية. وإن مع الدمعةِ بسْمة، ومع القسْوةِ رحمة، ومع الفاقةِ نِعْمَة، وإنَّ مع العُسْرِ يُسْراً، و{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} الطلاق :1، تفاءَل أيُّها المسلِم: فمن المُحالِ دوامُ الحالِ، والأيامُ دُولٌ، والدهرُ قُلّبٌ، والليالي حُبَالى، ومن ساعةٍ إلى ساعةٍ فَرَجٌ، وما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتِها، يُبدلُ اللهُ من حالٍ إلى حالِ. تفاءَل أيُّها المسلِم: فالمستقبلُ لهذا الدين، والنصر قادم، يقولُ الله عن وَعدِهِ: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم:6.
الدعاء