خطبة عن (طمع المؤمن فِي رَحْمَةِ اللَّهِ) مختصرة
يونيو 28, 2025خطبة عن (سِلْعَةُ اللَّهِ غَالِيَةٌ.. سِلْعَةُ اللَّهِ الْجَنَّةُ)
يونيو 28, 2025الخطبة الأولى (الله هو الْعَظِيمُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ البقرة:255، وقال تعالى: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ التوبة:129، وقال تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ الواقعة:74.
إخوة الاسلام
العظيم: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الذي يعظمه خلقه، ويهابونه ويتقونه، فله صفة العظمة في كل شيء، فالله تعالى عظيم في ذاته، وعظيم في صفاته، قال الشيخُ السعديُّ رحمه الله تعالى: «العظيمُ الجامعُ لجميعِ صفاتِ العظمةِ والكبرياءِ، والمجدِ والبهاءِ الذي تحبُّه القلوبُ، وتعظِّمُه الأرواحُ، ويعرفُ العارفونَ أنَّ عظمةَ كلِّ شيءٍ، وإن جَلّتْ في الصفةِ، فإنها مُضْمَحِلةٌ في جانبِ عظمةِ العليِّ العظيمِ). واللهُ تعالى عظيمٌ له كلُّ وصفٍ ومعنىً يوجبُ التعظيمَ، فلا يقدرُ مخلوقٌ أنْ يُثْنِيَ عليه كما ينبغي له، ولا يُحصِي ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسِه، وفوقَ ما يُثْنِي عليه عبادُه. وفي صحيح مسلم: يقول صلى الله عليه وسلم: (لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ». والله تعالى عظيم، وكبير، وكل ما دونه فهو صغير ذليل. والله عظيم: فقد جاوز قدره حدود العقول، حتى لا تتصور الاحاطة بكنهه وحقيقته،
واسم الله (العظيم) من الاسماء التي لا يُنازع الله تعالى فيها، ففي سنن أبي داود وغيره: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ»، وعظمةُ اللهِ سبحانَه وتعالى لا تكيَّفُ ولا تحدُّ، ولا تمثَّلُ بشيءٍ، ويجبُ على العبادِ أن يعلَمُوا أنه سبحانَهُ عظيمٌ كمَا وصفَ نفسَهُ بذلك، ووصفَهُ به رسولُه – صلى الله عليه وسلم – بلا كيفيةٍ ولا تحديدٍ، وقدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنه قالَ: «تفكرُوا في آلاءِ اللهِ ولا تَفَكَّرُوا في اللهِ»، وفي لفظ: «تَفكَّروا في خلقِ اللهِ ولا تَفَكَّرُوا في اللهِ»، وتعظيم الله تعالى أصل العبادة وحقيقتها، قال الله تعالى: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (74) الواقعة، فمن أبرز سمات المتقين، تعظيم الله تعالى، وتعظيم شعائره، وعدم الاستخفاف والاستهزاء بآياته، فمن عظم الله سبحانه وقدره حق قدره، تحقق فلاحه ونجاحه، وسعادته في دنياه وأخراه، ومن عظم الله عرف أحقية الله عز وجل بالذل والخضوع والخشوع والانكسار، وعظّم شرعه ،وعظّم دينه، وعرف مكانة رسله. وقد أمر الله رسوله أن يسبحه بهذا الاسم في ركوعه، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم : (وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»، وثبت أنه صلوات الله وسلامه عليه كان يقول في ركوعه وسجوده:(سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ)، وفي سنن النسائي: (كان يَقُولُ صلى الله عليه وسلم فِي رُكُوعِهِ «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ». ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ «سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ».
أيها المسلمون
وتعظيم العبد لله تعالى يولد الخوف من المعظم، قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (67) الزمر، وفي تفسير القرطبي: في قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (88): (95) مريم، قال ابن عباس: (اقشعرت الجبال وما فيها من الأشجار والبحار وما فيها من الحيتان، فصار من ذلك الشوك في الحيتان والأشجار)، وقال كعب: (فزعت السماوات والأرض والجبال وجميع المخلوقات إلا الثقلين وكادت أن تزول، وغضبت الملائكة، فاستعرت جهنم، وشاك الشجر، واكفهرت الأرض وجدبت، حين قالوا: اتخذ الله ولدا)، ومن عظمة الله تعالى في قدرته: أنه يحفظ السموات والأرض، قال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ البقرة:255، ومن دلائل عظمة الله تعالى: عظمة مخلوقاته: ففي سنن أبي داود: (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ».
ولما كان الله تعالى عظيما، فلا يُستشفع به على مخلوقاته، ففي سنن أبي داود: (أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ جُهِدَتِ الأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ «وَيْحَكَ إِنَّهُ لاَ يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ». قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ «إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ»، ولما كان الله عظيما، ووجه الله عظيما، فلا يُسأل بوجهه، لأن الله تعالى أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئاً من حطام الدنيا، ومن سُئل بوجه الله؛ فينبغي له أن يُعطي السائل ما لم يكن في سؤاله إثم أو ضرر يلحق بالمسؤول، فقد روى الطبراني: (أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ. وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ، مَا لَمْ يُسْأَلْ هُجْرًا} أَيْ أَمْرًا قَبِيحًا لَا يَلِيقُ. ومن دلائل عظمة الله: أن عظمة الخلق دليل على عظمة الخالق، قال تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (20) (22) الذاريات
أيها المسلمون
وللإيمان باسمه تعالى(العظيم) آثار في عقيدة المؤمن وسلوكه، وحياته، فالمؤمن يعظم الله تعالى حق تعظيمه، ويقدره حق قدره، وذلك بوصفه بما يليق به، والاكثار من ذكره وشكره والثناء عليه بما هو أهله، ومن تعظيم الله تعالى: أن يُطاع رسوله، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) النساء:64، ومن تعظيم الله تعالى: أن يصدق كتابه، وأن يحكم في الأرض بشرعه، ومن تعظيم الله تعالى: أن تعظم شعائر دينه، قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (32) الحج
ومن تعظيم الله تعالى: أن يعمل بأوامره، ويجتنب نواهيه، قال تعالى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) الحج:30، وجاء في كتاب (صفة الصفوة): (قال نافع: خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع، فقال له عبد الله: هلم يا راعي فأصب من هذه السفرة. فقال: إني صائم، فقال له عبد الله: في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم، فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية، فعجب ابن عمر، وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه وتعطيك ثمنها، قال: إنها ليست لي، إنها لمولاي، قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب؟!، فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول (فأين الله؟؟؟) قال : فلم يزل ابن عمر يقول: قال: الراعي فأين الله، فما عدا أن قدم المدينة فبعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم فأعتق الراعي ووهب له الغنم)
أيها المسلمون
ومن مظاهر تعظيم العبد لله تعالى: أن تعلم أن الله تعالى يسمع كلامك، ويرى مكانك، ويعلم سرك وعلانيتك، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (5)، (6) آل عمران، وقال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (61) يونس ، ومن مظاهر تعظيم العبد لله تعالى: كمال محبته لله، وتعلق قلبه به، والشوق إلى لقائه، قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (17)، (18) الانعام، وقال تعالى : (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (2) فاطر، ومن مظاهر تعظيم العبد لله تعالى: التفكر في بديع صنعه، وعظم مخلوقاته، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) (3)، (4) الملك، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا) (15): (20) نوح، ومن مظاهر تعظيم العبد لله تعالى: تعظيم الذنب، ففي البخاري: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ »، وفي الحلية عن ابن عباس أنه قال: (يا صاحبَ الذَّنْبِ لا تأمَنْ سوءَ عاقبتِهِ. ولَما يَتْبَعُ الذَّنْبَ أعظمُ منَ الذَّنبِ.. إذا عملتَهُ قلَّةُ حيائِكَ ممَّن على اليمين وعلى الشِّمال ـ وأنت على الذَّنبِ ـ أعظمُ من الذَّنبِ.. وضَحِكُكَ وأنتَ لا تدري ما اللهُ صانعٌ بكَ أعظمُ من الذَّنبِ.. وفَرَحُكَ بالذَّنبِ إذا ظفرتَ به أعظمُ من الذَّنبِ.. وحُزْنُكَ على الذَّنبِ إذا فاتَكَ أعظمُ منَ الذَّنبِ.. وخَوْفُكَ من الرِّيحِ إذا حَرَّكَتْ سِتْرَ بابِكَ وأنتَ على الذَّنبِ، ولا يضطربُ فؤادُكَ منْ نَظَرِ اللهِ إليكَ أعظمُ منَ الذَّنبِ إذا عملتَهُ).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الله هو الْعَظِيمُ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن الآيات القرآنية التي تثير في نفوس المؤمنين دلائل العظمة التي تليق بذي الجلال والإكرام آية الكرسي. قال تعالى: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (255) البقرة، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِى أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ». قَالَ قُلْتُ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ. قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ «وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ». وفي رواية أحمد: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ وَالَّذِي نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَاناً وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ»، ومن الأحاديث الدالة على عظمة السماوات، ما رواه ابن حبان في صحيحه: (عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة». وفي سنن أبي داود: (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ جُهِدَتِ الأَنْفُسُ وَضَاعَتِ الْعِيَالُ وَنُهِكَتِ الأَمْوَالُ وَهَلَكَتِ الأَنْعَامُ فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «وَيْحَكَ أَتَدْرِى مَا تَقُولُ» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ «وَيْحَكَ إِنَّهُ لاَ يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَوَاتِهِ لَهَكَذَا». وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ». قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ «إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ وَعَرْشُهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ»
أيها المسلمون
والغفلة عن تعظيم الله حق تعظيمه ومعرفة حق قدره يعود إلى الجهل به؛ قال ابن القيم رحمه الله: فعلى قدر المعرفة يكون تعظيم الرب سبحانه في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا وإجلالًا، وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حقَّ عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق صفته؛ قال تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ نوح: 13، ومن أهم أسباب عدم تعظيم الله تعالى: الوقوع في المعاصي، قال ابن القيم: (وكفي بالمعاصي عقوبة أن يضمحل في قلبه تعظيم الله)، ومنها: التساهل في أوامر الله، ومنها: عدم تدبر القرآن، والغفلة عن ذكر الله تعالى، ومنها: النظر فيما حرم الله ، ومن أهم ما يعين المسلم على تعظيم الله تعالى: تحقيق العبودية الكاملة لله، وتدبر القرآن، والتفكر في خلق الله، والدعاء، ومن عظمته أنه لا تراه العيون في الدنيا، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به العقول،
وتعظيم الله يعود على العبد بفوائد كثيرة؛ منها: أن المسلم الذي امتلأ قلبه بعظمة الله لديه ثقة مطلقة بالله، فتجده هادئ البال، ساكن النفس، مهما ضاقت به السبل، واستشعار عظمة الله تملأ القلب رضًا وصبرًا. ومعرفتنا بعظمة الله تُورِث القلب الشعور بمعيته سبحانه، وتمنحنا الطمأنينة في المحن، والبصيرة في الفتن، واستشعار عظمة الله ومعيته تبعث في النفس معنى الثبات والعزة، وتقوِّي العزائم حتى في أشد حالات الضعف. وثبت في الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ .فَضَحِكَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) الزمر:67. وثبت في المسند من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة»،
الدعاء