خطبة حول حديث ( لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ )
أغسطس 2, 2025الخطبة الأولى (الصَّلَاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (45) العنكبوت.
إخوة الإسلام
الصَّلاة هي الرُّكن الثَّاني من أركان الإسلام بعد التوحيد، والصلاة أوَّل ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة من عمله، فإن كانت صالحة مستقيمة، نُظر في بقيّة عمله، وإن كانت فاسدة وناقصة، لم يُنظر في بقيّة عمله، ومما يدلُّ على عِظم مكانة الصَّلاة، وأهميتها في الإسلام، أنَّ الله تعالى أوحى بها لنبيِّه صلى الله عليه وسلم دون واسطة، في السَّماء السَّابعة، ليلة الإسراء والمعراج، فمن آمن بما للصلاة من المكانة، وعلم بعض ثمارها، لم يفرط فيها، ولهذا جاء في صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ».
أيها المسلمون
وفي قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ): فيه بيان أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وقد روى ابن أبي شيبة بسند حسن: (عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسْعُود رضِي اللهُ عَنْه قَالَ: “لاَ تَنْفَعُ الصَّلاَةُ إِلاَّ مَنْ أَطَاعَهَا” ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: (إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): (نَفْسُ فِعْلِ الطَّاعَاتِ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْمَعَاصِي، وَنَفْسُ تَرْكِ الْمَعَاصِي يَتَضَمَّنُ فِعْلَ الطَّاعَاتِ، وَلِهَذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، فَالصَّلَاةُ تَضَمَّنَتْ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا نَهْيُهَا عَنْ الذُّنُوبِ. والثَّانِي تَضَمُّنُهَا ذِكْرِ اللَّهِ)، فالصلاة تشتمل على مذكرات بالله من أقوال وأفعال، من شأنها أن تكون للمصلي كالواعظ المذكر بالله تعالى؛ ففي الصلاة من الأقوال تكبير لله، وتحميده وتسبيحه، والتوجه إليه بالدعاء والاستغفار، وقراءة فاتحة الكتاب المشتملة على التحميد والثناء على الله، والاعتراف بالعبودية له، وطلب الإعانة والهداية منه، واجتناب ما يغضبه، وكلها تذكر بالتعرض إلى مرضاة الله، والإقلاع عن عصيانه، فذلك صد عن الفحشاء والمنكر.
والناس في الانتهاء عن الفحشاء والمنكر متفاوتون، فبمقدار خواطر التقوى في النفوس، تتباعد عن العصيان، حتى تصير التقوى ملكة لها، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ إِنَّ فُلاَناً يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ. قَالَ «إِنَّهُ سَيَنْهَاهُ مَا يَقُولُ»، أي: صلاته بالليل، فكلما تذكر المصلي عند صلاته عظمة ربه، ووجوب طاعته، وذكر ما قد يفعله من الفحشاء والمنكر، كانت صلاته حينئذ قد نهته عن بعض الفحشاء والمنكر، وقال السعدي (رحمه الله): “وجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها”.
فَمَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنْ الْمَعَاصِي، وَلَمْ تَتَمَرَّنْ جَوَارِحُهُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَتَّى يَأْنَسَ بِالصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا أُنْسًا يَبْعُدُ بِهِ عَنْ اقْتِرَافِ الْخَطَايَا، كانت صلاته ناقصة، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: (فِي الصَّلَاةِ مُنْتَهَى وَمُزْدَجَرٌ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ تَأْمُرْهُ صَلَاتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ تَنْهَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَزْدَدْ بِصَلَاتِهِ، مِنَ اللَّهِ إِلَّا بُعْدًا)، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: (مَنْ لَمْ تَنْهَهُ صَلَاتُهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَصَلَاتُهُ وَبَالٌ عَلَيْهِ)، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (كَانَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ يُصَلِّي الصلوات الخمس مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ لَا يَدَعُ شَيْئًا مِنَ الْفَوَاحِشِ إِلَّا رَكِبَهُ فَوُصِفَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَالُهُ فَقَالَ: «إِنَّ صَلَاتَهُ تَنْهَاهُ يَوْمًا» فَلَمْ يَلْبَثْ أن تاب وحسن حاله، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ألم أقل لكم إن صلاته تنهاه يوما».
أيها المسلمون
ومن الملاحظ أن الكثير من المصلين إذا خرج من المسجد فعل المنكرات، وقارف السيئات؛ أو تعامل بالربا، أو تكلم بالكذب والغيبة والنميمة، أو هو معروف بالغش والاحتيال، أو يبيع المحرمات، وغير ذلك، فصلاته لم تأمره بالمعروف، ولم تنهه عن المنكر، فمثل هؤلاء لم يقيموا الصلاة كما يجب، ولم يؤدوا أركانها كاملة، فالصلاة لابد لها من خشوع وخضوع، وفي سنن أبي داود: (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِىِّ ..فَبَيْنَمَا أَنَا قَائِمٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الصَّلاَةِ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ فَحَمِدَ اللَّهَ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ رَافِعًا بِهَا صَوْتِي فَرَمَانِي النَّاسُ بِأَبْصَارِهِمْ حَتَّى احْتَمَلَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَىَّ بِأَعْيُنٍ شُزْرٍ قَالَ فَسَبَّحُوا فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلاَةَ قَالَ «مَنِ الْمُتَكَلِّمُ». قِيلَ هَذَا الأَعْرَابِيُّ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ لِي «إِنَّمَا الصَّلاَةُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَإِذَا كُنْتَ فِيهَا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ شَأْنَكَ»، وقال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} المؤمنون: (1)، (2)، وقال الحسن البصري: (كان خشوعهم في قلوبهم؛ فغضوا بذلك أبصارهم؛ وخفضوا الجناح).
ومما سبق يُعْلَم أن الصلاة المطلوبة هي التي يشعر المسلم فيها بالارتياح تأسياً بما كان ﷺ يشعر به في صلاته، فقد جاء في سنن أبي داود: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «يَا بِلاَلُ أَقِمِ الصَّلاَةَ أَرِحْنَا بِهَا». وفي سنن النسائي: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ». فمتى كانت راحتنا في الصلاة، ومتى تكون الصلاة قرة عين لنا، عند هذا تكون الصلاة آمرةً بالمعروف، وناهيةً عن المنكر، وموافقة لما جاء في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}. فلا يمكن أن تجتمع الصلاة الصحيحة المكتملة الأركان مع {الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ} في الشخص الواحد، وفي وقتٍ واحدٍ؛ فإمّا {الصَّلاةَ} وإمّا {الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ}،
وهذا لا يعني أن المصلّي يخلو تمامًا من الذنوب، بل يمكن له أن يُذنب، ولكنه لا يستمرّ في الذنب، ولا يستطيبه، ولا يتحوَّل إلى كائنٍ فاحشٍ ومُنكَرٍ، بل يستقبح ما وقع فيه من ذنب، فور الانتهاء من ارتكابه، ويستغفر ربَّه، ويتوب إليه، فلا يؤثّر ذلك على صلاته التي سوف تنهاه عن المُداوَمة على {الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ}. ويمكن أن يُستدرَج المصلّي في وضعٍ ما، أو في نقطة ضعفٍ ما، أو في زلَّةٍ ما، وهُنا يبقى المرء رهن حجم إيمانِه، فإن كان إيمانُه قويًّا، يستنكر الذنب الذي وقع فيه، ولا ينقطع عَن صَلاته، ولو في فريضةٍ واحدةٍ، وهذا تحقيقٌ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135].
فيمكن للإنسان أن يؤوب إلى ربّه، ويستغفره ويتوب إليه؛ ويحذر من وساوس الشيطان، وصدّه وتخذيله؛ قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. وفي صحيح مسلم: (عن ابن مسعود قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِن، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ»
أيها المسلمون
ولم تكتفِ الآية الكريمة بالتأكيد على: {إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ}، بل استأنَفَت وعَطَفَت عليها كذلك: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}. فالصلاة ليسَت حركات آلية، أو رياضيّة، بل هي عبادة وخشوع، وما تلك الحركات سوى تعزيز لحالة الخشوع التي يكون فيها المصلّي بين يدَي ربّه، والصلاة كلّها من بدئها إلى منتهاها ذِكْرٌ، ولا تخلو حركةٌ من ذِكْر الله -سبحانه وتعالى-؛ فلا يُصلّي الإنسان من خلال الحركات الظاهِرة التي تُظهر بأنَّه في حالة صلاة، بل يُصلّي مِن خلال ما يكون في خشوعٍ، وهو يذكر الله ابتداءً من النيَّة، وانتهاءٍ بالسلام، فيحصل الإنسان مِن خِلال ذِكْر الله في صلاته، وفي غير صلاته كذلك، على ما هو {أَكْبَرُ} من النهي {عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ}. وهذا الـ{أَكْبَرُ} مهما قدَّرته مُخيِّلاتك من النَّعيم ومن رِضى الله تعالى، فهو {أَكْبَرُ} عند الله. يقول الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]. فعندما تذكر الله في صلاتك، وفي غير صلاتك، فإن الله يَذكرك أكثر، حتى يُحبّك وتُصبح حبيبا لله، وعندها قد تنال ما جاء في صحيح البخاري: (عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»
أيها المسلمون
وقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ، ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا لِدَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا رِقَابَهُمْ وَيَضْرِبُونَ رِقَابَكُمْ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ». قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ». وفي سنن الترمذي: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ «الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنَ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ «لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً»، فأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وفي سنن الترمذي: (عن أبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»،
وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) أَيْ «ذِكْرُ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَفْضَلُ مِنْ ذَكْرِكُمْ إِيَّاهُ». وَقَالَ عَطَاءٌ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، قَالَ: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ تَبْقَى مَعَهُ مَعْصِيَةٌ.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الصَّلَاة تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وللصلاة أثر في حياة المسلم، إذا أقامها كما أمر الله تعالى، ومن ذلك: أن الصلاة ملاذ المسلم عند نزول المصائب والهموم، فالله عزّ وجلّ يقول لنا: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45]. وفي سنن أبي داود: (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى). فبالصلاة تنحلّ العقد والمشكلات، وتُدفع الكروب، ومن آثار الصلاة في حياة المسلم: أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر: يقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (45) العنكبوت، والصلاة تعلِّمنا الأخلاق والآداب الفاضلة: فهي تعلِّمنا الاجتماع على الخير، والترابط والتكاتف، والتراحم والتعاطف، وضبط الوقت والمحافظة عليه، ابتداءً من صلاة الفجر، وانتهاء بصلاة العشاء، وما بين ذلك، والصلاة تطهرنا من أدران الباطن، من البغض والحسد والمعاصي والآثام القلبية، والصلاة تعلمنا الصبر على الشدائد والمحن، ولذلك شُرعت في الحضر والسفر، والسلم والحرب.
فالصلاة نور وحياة وراحة، يقول الله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} الفتح: 29 فهلا حافظنا عليها، وأعطيناها حقها من العناية، وربينا الأجيال على تعظيمها؟.
الدعاء