خطبة عن (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ)
مايو 4, 2025الخطبة الأولى (التربية الإيمانية في زمن الاستضعاف)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (55): (56) النور.
إخوة الإسلام
روى النسائي وصححه الألباني: (عن عبدالله بن عباس: (أنَّ عبدالرحمن بنَ عوفٍ، وأصحابًا لَهُ أتَوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ بمَكَّةَ فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّا كنَّا في عزٍّ ونحنُ مُشرِكونَ، فلمَّا آمنَّا صِرنا أذلَّةً، فقالَ: إنِّي أُمِرتُ بالعفوِ، فلا تقاتِلوا فلمَّا حوَّلَنا اللَّهُ إلى المدينةِ، أَمرَنا بالقتالِ، فَكَفُّوا، فأنزلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) (77) النساء.
وهذه المرحلة التي أنزلت فيها هذه الآية الكريمة، هي شبيهة ومماثلة للمرحلة التي نعيشها ،وحال المسلمين اليوم، فالناظر والمتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم، وما وصلت إليه من استضعاف، وذلة وهوان، وتخلف في عتادها، ووسائل الحرب والدفاع عن نفسها، أدى ذلك كله إلى تكالب الكفار عليها، كما أخبر بذلك رسوله الله (قَالَ -صلى الله عليه وسلم- «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ «بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ». فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهَنُ قَالَ «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ». رواه أبو داود وأحمد،
فترتب على هذا التخلف أن أصبحت أمة الاسلام مستضعفة ومستباحة، فاحتل العدو الكافر أرضهم، وسلب خيراتهم، وتحكم في قراراتهم، ومنعهم من اقامة دينهم، وحيل بين شباب المسلمين وبين الجهاد في سبيل الله، فقد منعوا من نصرة إخوانهم من المستضعفين في غزة وفلسطين وفي سوريا وفي غيرها من بلدان المسلمين ،فكفوا أيديهم عن الجهاد، ومنعوا من المشاركة، وامتنع حكام الدول الاسلامية عن مناصرة المظلومين من الشعوب الاسلامية، وبالتالي حيل بينهم وبين تحرير أراضيهم ومقدساتهم، التي احتلها الكفار الغاصبون، وعدنا من حيث بدأنا، عدنا غرباء مستضعفين، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ»، نعم عدنا إلى ما كان عليه المسلمون المستضعفون في مكة في بداية الاسلام، حين قيل لهم كفوا أيديهم عن قتال كفار قريش، ومنعوا من الجهاد في سبيل الله، وكما في صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ». وبالفعل فهذه الدول التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم منعت مساعداتها لإخوانها من المسلمين في غزة وفلسطين وسوريا والسودان وغيرها من بلاد المسلمين وعدنا إلى مرحلة الكف عن الجهاد في سبيل الله، وأصبحت هذه الآية هي الواقع الذي نعيشه: (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ)،
أيها المسلمون
والسؤال: ما هي التربية الإيمانية المتطلبة أمام هذه التحدِّيات في المَرحَلة الراهنة، والتي تحياها الامة الإسلامية، وما فيها من استضعاف، وتكالب أعدائها عليها؟، والجواب: لما كان حال الأمة اليوم مطابقا لحال المسلمين في مكة، حينما كانوا مستضعفين، فإنَّه يلزمنا التمسُّك بالتربية الإيمانية التي لزمها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في مكة، وقبل الهجرة، وتتمثل في: (عبادة الله تعالى: بإقام الصلاة، والنفقة على المسلمين المحتاجين (إيتاء الذكاة)، وقيام الليل بالصلاة، والدعوة إلى الله تعالى في محيط الأهل، والأقارب والمقربين، وسماعهم القرآن الكريم، والتوجه إلى الله تعالى بالدعاء بالنصر والتمكين، والصبر على أذى الأعداء، والاعداد الإيماني لمرحلة الاستضعاف، ومرحلة التمكين)،
ففي بداية الدعوة قال الله تعالى لرسوله: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق (1): (5)، وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) (1)، (2) المزمل، وقال تعالى: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ [المدثر: 2]، وقال تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (214)، (215) الشعراء، وقال تعالى: (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) يونس (109) ، وقال تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (10) المزمل
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: فهذه المرحلة تتطلب من المسلمين: إتقان قراءة ومعرفة حَقائِق القرآن والسنَّة، والوقوف على السنن الربانية، وقصص السابقين، ففي صحيح البخاري: (عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ».
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: ففي هذه المرحلة من الاستضعاف: يجب إحياء أجواء مدرسة الليل التي خرَّجَت الرَّبانيِّين على مدَى القرون، المتقلِّبين في أعطاف الترتيل والذِّكر الكثير والبُكاء في الخلوات؛ وذلك لربط المؤمنين بربِّهم بميثاقٍ غليظ، وترقيق قلوبهم واستِمطار المدد لدعوتهم، مع القيام الحازم غير المُتراخِي بأعباء الدَّعوة، والتعريفُ بالله – تعالى – ودينه ونبيِّه، وردُّ الشبهات، ومحارَبةُ الشَّهوات المحرَّمة، وإنذار البشريَّة من عَواقِب الكفر والإلحاد وتبنِّي الشرائع المحرَّفة،
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: ففي هذه المرحلة: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [النساء:77]: أي: تجنُّب الصِّدام مع مكوِّنات المجتمع، التي ما زالت على غير دِرايةٍ بأهداف الدعوة النبيلة، فناصبَتْها العداء، وتلك التي غلبت عليها شقوتها، فتمسَّكت بالرُّؤى الخاطئة، وتحاكَمت إلى المقاييس الجاهليَّة؛ فخاصمت الدعوة والدُّعاة، وبدلاً من إشعال فتيل الفتنة، أو الارتِماء في خطط مَن أشعلوها، يتحصَّن الربَّانيُّون بعبادة الله، ويحرصون على إقامة الصلاة، التي تُوفِّر لهم الاتِّصال بالله، وتُحقِّق معاني الأخوَّة ووحدة الصفِّ، بهذا يدرَؤُون نُذُرَ الحرب الأهليَّة والاقتِتال الداخلي، الذي لن يُمكَّن في النهاية سوى للمشروع المُعادِي للإسلام.
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: ففي هذه المرحلة: ﴿اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة :153]: أي التحلِّي بالصبر الإيجابي، المتَّسِم بمعاني التحمُّل والثَّبات والرويَّة، وعدم الانقِياد وَراء العاطفة وحدَها في مَواطِن الظُّلم السافِر، ولا المُسارَعة إلى رَدِّ الفِعل الحماسي غير مَدرُوس العَواقِب، وإنَّما يستمدُّ هذا الصبر من كثْرة التردُّد على مِحراب الصلاة، وتَعفِير الجبين بين يدي صاحِب الخَلْقِ والأمر – سبحانه وتعالى – وتَقلِيب النَّظر في تَجارِب الأنبِياء، ودِراسَة سِيرَة خاتمهم – عليه الصلاة والسلام.
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: ففي هذه المرحلة: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء :214]: أي: تَنشِيط الدَّعوة بين أفراد الأسرة، والجوار، والزَّمالة، وروَّاد المساجد، والأندِيَة المختلفة، وبكلِّ وسائل التبليغ المُتاحَة، والتي تنوَّعَتْ واتَّسعت مساحتها، وليس هذا فِرارًا، إنما هو واجب الوَقت والمرحلة ، وليس عملاً ساذجًا، ولكنَّه النَّشاط الهادئ الرَّزِين، المَدرُوس الخُطوات؛ لإقامة البيوت الإسلاميَّة، والاهتِمام بالمُحِيط القَرِيب، ليلتَزِم ويكون سنَدًا للدعوة، وفي الصحيحين: (أن رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ – قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ – وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: ففي هذه المرحلة: يجب أن تتعزَّز التربية بالمحافَظة الدَّقيقة على الوِرد القرآني؛ ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل:4]، والأذكار والمناجاة؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب:41-42]، وصيام التطوُّع، وتَكثِيف الدَّورات التربويَّة واللِّقاءات الأخويَّة، واستِحضار معاني الآخِرة، ولقاء الله – عزَّ وجلَّ – ،وعرصات الحِساب؛ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:281]،
أما المسلمون المضطهَدُون، والمحتلَّة أراضِيهم: (في فلسطين وغزة والسودان وسوريا ولبنان ونحوها) فعليهم أنْ يربُّوا أجيالَهم على المُقاوَمة، والجِهاد ، لتحرير الأرض، ودحض العدوان، وإعلاء راية الحقِّ، فهذا من صَمِيم ما تتطلَّبه المرحلة من تربيةٍ إيمانيَّة عميقةٍ واعية؛ لأنَّه ضمانةٌ لبقاء روح الإباء لدى المسلِمين، ورفض اعتِداء الكفَّار على الأرض الإسلاميَّة وعقيدة التوحيد.
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: ففي هذه المرحلة: يجب العناية بالأسرة، فلا تُؤتِي هذه التربية كلَّ ثمارها إلاَّ بإنشاء بديلٍ أسري واجتماعي، ينتَظِم أفراد العائلة، وأفراد الجماعة المؤمنة، ويتحلَّى بالأمن والحوار والأخوَّة الإيمانيَّة، والتعاوُن البنَّاء،
فهذه التربية الإيمانية إذا واظَب عليها المؤمنون، هي كفيلة بإنارة العقول، وتزكية النُّفوس وتنشيط الجوارح؛ فتكون نتيجتها تَحصِين المجتمع الإسلامي باعتِمادهم على المَدَد الرباني؛ ومن ثَمَّ مُساهَمتهم في بَلوَرة المشروع الإسلامي، وإخراج البلاد الإسلاميَّة من أزمتها.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (التربية الإيمانية في زمن الاستضعاف)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
والتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف: هي التربية الإيمانية التي تقوي العلاقة بالله تعالى – وتُوطِّد الصِّلة بالأمَّة، وتَحُول دون انتِشار الإحباط ، والسلبيَّة بين الشَّباب، وهذا ما يُشبِه واجب الوقت والفريضة العينيَّة لتَفوِيت الفرصة على المتربِّصين بالإسلام، حتى نَبقَى مشدودين إلى دين الله الحقِّ، وميراث الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولا يضرُّنا مَن خالَفَنا، ولا مَن عادانا، إلاَّ ما يُصِيبنا من لأواء، كما جرَتْ سُنَّة الله الماضية في خلقه، ففي الصحيحين: (أن النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِى أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».
أجل، فالتربية الإيمانية في زمن الاستضعاف هي عمليَّة طويلة النَّفَس، صَعبة الدُّروب، ولكنَّها مضمونة النتائج، لِمَن فقه المرحلة التي نمر بها، وسارَ على هَدْيِ الأنبياء الكِرام – عليهم السلام – وما أجمل أنْ يَلتَفَّ حولَها الشباب المؤمنون، في أزمِنَة الفتنة والتحدِّيات والهرَج، فهي عِصمَةٌ لهم حتى لا يَتِيهوا، وهي مَغنَمٌ عظيم، تتَصاغَر معه كلُّ المغانم؛ وفي صحيح البخاري: (أن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْخَيْرِ ،وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ «نَعَمْ». قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ». قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ». قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ «نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»،
وفي مسند أحمد: (قَالَ حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ». ثُمَّ سَكَتَ)،
وفي سنن أبي داود: (عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «سَيَصِيرُ الأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ». قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ. فَقَالَ «عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ يَجْتَبِى إِلَيْهَا خِيَرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ». وفيه أيضا: (قَالَ الْعِرْبَاضُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ». وفي مسند أحمد: (أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً كَالْمُوَدِّعِ فَقَالَ «أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ» قَالَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «وَلاَ نَبِيَّ بَعْدِي أُوتِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ وَعَلِمْتُ كَمْ خَزَنَةُ النَّارِ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَتُجِوِّزَ بِي وَعُوفِيتُ وَعُوفِيَتْ أُمَّتِي فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَحِلُّوا حَلاَلهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ».
وفيه أيضا: (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «اثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ وَثُلاَثٌ خَيْرٌ مِنِ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَنْ يَجْمَعَ أُمَّتِي إِلاَّ عَلَى هُدًى».
الدعاء