خطبة عن (تفويض الأمر لله)
أغسطس 12, 2025الخطبة الأولى (ارْتَقِبُوا آيَةَ الدُخَان)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) (9): (13) الدخان، وروى الامام مسلم في صحيحه: (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ «مَا تَذَاكَرُونَ». قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ». فَذَكَرَ (الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ). وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ».
إخوة الإسلام
(ارْتَقِبُوا آيَةَ الدُخَان): فقد جعل الله في هذه الدار الدنيا ما يذكر الإنسان بالآخرة، وقرب قيامها؛ ومنها ذلك الدخان الذي يكون في آخر الزمان، والمؤمن العاقل لا يستسلم للغفلة؛ فتكون مواضع العظة مواضع نسيان منه، فيفوته من مشاهدة آلاء الله في الكون، وعظاته في السموات والأرض،
وبداية: فقد اختلف العلماء في آية الدخان هل وقعت أم لا؟، والعلماء في ذلك الأمر على ثلاثة أقوال: القول الأول: يعتقد معظم العلماء سلفا وخلفا، أن الدخان من الآيات المنتظرة، التي لم تأت بعد، فهو من علامات الساعة الكبرى، وسيقع قُبَيْل يوم القيامة، وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو سعيد الخدري وغيرهم، وكثير من التابعين، ورجح الحافظ ابن كثير هذا، مستدلا بالآيات والأحاديث التي سبق ذكرها، وأيضا بما أخرجه ابن جرير وغيره عن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال: «ما نمت البارحة حتى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت».
القول الثاني: يعتقد البعض أن هذا الدخان هو ما أصاب قريشا من الشدة والجوع، عندما دعا عليهم النبي ﷺ حين لم يستجيبوا له، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان ، وإلى هذا القول ذهب عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) وتبعه جماعة من السلف ورجحه ابن جرير الطبري رحمه الله. القول الثالث: ذهب بعض العلماء إلى الجمع بين هذه الآثار بأن قالوا: هما دخانان: ظهر أحدهما، وبقي الآخر الذي سيقع في آخر الزمان، فأما الآية الأولى التي ظهرت فهي ما كانت قريش تراه كهيئة الدخان، وهذا الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور الآيات التي هي من أشراط الساعة.
فالله سُبحانَه وتعالى يَبعَثُ قبل قيامِ السَّاعةِ دُخانًا عَظيمًا، يَملَأ الأجواءَ، ويَغشى النَّاسَ كُلَّهم، واللهُ أعلَمُ بكَيفيَّةِ هذا الدُّخانِ، فنَحنُ إنَّما نَعرِفُ أنَّه دُخَانٌ، ولَكِن لا نَعرِفُ كيفَ يَأتي النَّاسَ، ولا من أينَ يَأتي، فهذا أمرُه إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، والمَقصودُ من هَذا الدخان: هو إنذارُ النَّاسِ بقُربِ قيامِ السَّاعةِ؛ حَتَّى يَستَعِدُّوا لَها ويَعمَلوا لَها). قال ابنُ كثيرٍ: (ثَبَت في حَديثِ أبي سَريحةَ حُذَيفةَ بن أسيدٍ: (لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آياتٍ). فذَكَرَ فيهِنَّ الدُّخانَ، وكَذلك في حَديثِ أبي هُرَيرةَ: (بادِروا بالأعمالِ سِتًّا). فذَكَرَ فيهِنَّ الدُّخانَ، والحَديثانِ في صَحيحِ مُسْلِمٍ مَرفوعانِ، وفي ظاهِرِ القُرآنِ ما يَدُلُّ على وُجودِ دُخَانٍ مِنَ السَّماءِ يَغشى النَّاسَ، وهذا أمرٌ مُحَقَّقٌ عامٌّ، قال تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) [الدخان:10]. أي: ظاهِرٍ بيِّنٍ واضِحٍ جِلِيٍّ، لَيسَ خيالًا من شِدَّةِ الجوعِ، (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَّابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) [الدخان:12]. أي: يُنادي أهلُ ذلك الزَّمانِ رَبَّهم بهذا الدُّعاءِ، يَسألونَ الله تعالى كشفَ هَذِه الشِّدَّةِ عَنهم، فإنَّهم قَد آمَنوا، وأيقَنوا بما وُعِدوا به مِنَ الأمورِ الغَيبيَّةِ، وهذا دَليلٌ على أنَّ هذا أمرٌ يَكونُ قَبلَ يَومِ القيامةِ؛ حَيثُ يُمكِنُ رَفعُه، ويُمكِنُ استِدراكُ التَّوبةِ والإنابةِ)،
وروى الامام مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ «مَا تَذْكُرُونَ». قُلْنَا السَّاعَةَ. قَالَ «إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قُعْرَةِ عَدَنٍ تَرْحَلُ النَّاسَ»، قال النَّوَويُّ: (هذا الحَديثُ يُؤَيِّدُ قَولَ من قال: إنَّ الدُّخانَ دُخانٌ يَأخُذُ بأنفاسِ الكُفَّارِ، ويَأخُذَ الْمُؤمِنَ مِنه كهَيئةَ الزُّكامِ وأنَّه لَم يَأتِ بَعْدُ، وإنَّما يَكونُ قَريبًا من قيامِ السَّاعةِ)،
وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ». قال علي القاري: (بادِروا) أي: أسرِعوا وسابِقوا (بالأعمالِ) أيِ: الصَّالِحةِ النَّافِعةِ في الآخِرةِ (سِتًّا) أي: سِتَّ آياتٍ، أي: عَلاماتٍ؛ لوُجودِ السَّاعةِ؛ إذ يَعْسُرُ العَمَلُ ويَصعُبُ فيما بَعدَها، أو لَم يُقبَل ولَم يُعتَبَرْ بَعدَ تَحَقُّقِها، (الدُّخانَ، والدَّجَّالَ، ودابَّةَ الأرضِ، وطُلوعَ الشَّمسِ من مَغرِبِها، وأمرَ العامَّةِ) أيِ: الفِتْنةَ الَّتي تَعُمُّ النَّاسَ، أوِ الأمرَ الذي يَستَبِدُّ به العَوامُّ، ويَكونُ مِن قِبَلِهم دونَ الخَواصِّ من تَأميرِ الأمَّة، وفي رواية: (وخُوَيصَّةَ أحَدِكم): وهو تَصغيرُ خاصَّةٍ، أيِ: الوَقعةَ الَّتي تَخُصُّ أحَدَكم، قيلَ: يُريدُ الْمَوتَ، وقيلَ: هيَ ما يَختَصُّ به الإنسانُ مِنَ الشَّواغِلِ الْمُتَعَلِّقةِ في نَفسِه ومالِه وما يَهتَمُّ به، وصُغِّرَت لاستِصغارِها في جَنبِ سائِرِ الحَوادِثِ مِنَ البَعثِ والحِسابِ وغَيرِ ذلك)، وقال ابنُ حَجَرٍ: (رَوى الطَّبَريُّ من حَديثِ ربعيٍّ عَن حُذَيفةَ مَرفوعًا في خُروجِ الآياتِ والدُّخانِ قال حُذَيفةُ: (يا رَسولَ اللهِ، وما الدُّخانُ)، فتَلا هَذِه الآيةَ. قال: (أمَّا الْمُؤمِنُ فيُصيبُه مِنه كهَيئةِ الزكمةِ، وأمَّا الكافِرُ فيَخرُجُ من منخرَيه وأُذُنَيه ودُبُرِه) وقال ابنُ عَبَّاسٍ وغَيرُه: (هو دُخَانٌ قَبلَ قيامِ السَّاعةِ، يَدخُلُ في أسماعِ الكُفَّارِ والمُنافِقينَ، ويَعتَري الْمُؤمِنَ مِنه كهَيئةِ الزُّكامِ)
أيها المسلمون
ويَربِطُ بَعضُ الباحِثينَ الْمُعاصِرين إمكانيَّةَ حُدوثِ الدُّخانِ بارتِطامِ نَيزَكٍ ضَخمٍ بالأرضِ- كما يَتَوَقَّعُ عُلَماءُ الفَلَكِ- بحَيثُ يَنجُمُ عَن ذلك تَغَيُّراتٌ هائِلةٌ في جيولوجيَّةِ الأرضِ والمناخِ والأحوالِ الِاقتِصاديَّةِ وغَيرِها، مَعَ ما قَد يُحدِثُه ذلك الِارتِطامُ الهائِلُ والدُّخانُ العَظيمُ من عَلاماتٍ أخرى؛ كعَودةِ جَزيرةِ العَرَبِ جَناتٍ وأنهارًا، وانحِسارِ الفُرَاتِ عَن جَبَلٍ من ذَهَبٍ، وتَقارُبِ الزَّمانِ، وغَيرِ ذلك، وقد جاءَ عَن عَبدِ الله بن أبي مليكةَ أنَّه قال: (غَدَوتُ على ابنِ عَبَّاس رَضِيَ الله عَنهما ذاتَ يَومٍ، فقال: ما نِمتُ اللَّيلةَ حَتَّى أصبَحْتُ. قُلتُ: لِمَ؟ قال: قالوا: طَلَع الكَوكَبُ ذو الذَّنَبِ؛ فخَشيتُ أن يَكونَ الدُّخانُ قَد طَرَقَ، فما نِمتُ حَتَّى أصبَحْتُ). وأيًّا كان سَبَبُ وُقوعِ الدُّخانِ فنَحنُ نُؤمِنُ بوُقوعِه كما أخبَرَنا اللهُ سُبْحانه وتعالى ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فظهور الدخان من علامات الساعة الكبرى، وهو دخان عظيم عامٌ يظهر عند قيام الساعة، ويملأ الأرض ويعمّ الناس جميعهم؛ بسبب انتشار المعاصي والآثام، وترك الحقّ واتّباع الباطل، إلا أنّه يكون على الكافرين أشدّ وأعظم، فينتفخ به الكافر حتى يخرج منه، بينما يكون أثره على المؤمنين كالزُّكام الخفيف.
ومن الناحيّة العلميّة، وتفسير ظاهرة الدخان؛ قال الدكتور زغلول النجار: “نحن نرى اليوم نجوم السماء تتخلق من دخان السماء، ثم تنفجر بعد انتهاء أجلها لتعود إلى دخان السماء، وهذه العلامة إشارة إلى بدء انهدام النظام الكوني بتحول النجوم إلى دخان يصل إلى سكان الأرض كنوع من العذاب الأليم الذي توعد الله -تعالى- به العاصين من عباده”
أيها المسلمون
ويسبق آية الدخان قبل الساعة تهارج الناس وانشغالهم بالحياة الدنيا ونسيانهم أمر الآخرة وتلك علامة تسبق ظهور الدخان، لقوله تعالى: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (9): (11) الدخان، فالدخان يملأ ما بين السماء والأرض، ويغشى الناس كلهم، أي أنه يصيب كل سكان الكرة الأرضية، المؤمن والكافر، ويأخذ الدخان الكافر فيخنقه، ويمتلئ منه جسمه حتى يخرج من كل مسامعه، وأما المؤمن فيصيبه الدخان بشيء بسيط، مثل الزكام، وقد ذكر ابن جرير الطبري عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله: (إن ربكم أنذركم ثلاثا: الدخان، يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينفخ حتى يخرج من كل مسمع منه)، وحين يشاهد الناس كلهم آية الدخان، تخنق الكافر المعرض عن منهج الله، والعاصي أيضأ ممن يدعي الإسلام، ويأخذ المؤمن كالزكام، يعلن الناس: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون)، فيلجأون إلى الله بالدعاء والتوبة وبالاستغفار، ويقرون بذنوبهم وخطئهم، ويرجون رحمة الله، بعد أن يحاولوا بكل الوسائل العلمية المتاحة لديهم، والتي كانوا يظنون أنها سوف تنجيهم من عذاب الله، وأن العلم قادر على حل كل مشاكلهم، مهما كانت، فيقولون: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون)، يقولون بلسان حالهم وضعفهم (إنا مؤمنون)، لقد آمنا يا ربنا أنه لا ملجأ ولا منقذ إلا أنت، لقد فشل العلم في حل تلك المشكلة، وأدركنا أنها آية منك، والعذاب لنا لبعدنا عنك، وغرورنا بأنفسنا، وما وصلنا إليه من علم حديث، لقد أدركوا الحقيقة مؤخرا، بعد أن كادت تلك الآية أن تعصف بهم، وتقضي عليهم، وهم عاجزون أمامها، فمن الله عليهم بكشف العذاب، ولكنه كشف لفترة زمنية بسيطة، لماذا؟ لأن الناس سوف يعودون إلى ما كانوا عليه من الإعراض والكفر بالله، قال تعالى: «إنكم عائدون»، إنه تأكيد من الله بأنهم سوف يعودون بعد قليل إلى سابق عهدهم، وتلك عادة أهل الكفر والعصيان، أنهم يؤمنون حين يرون العذاب الأليم، حين تحل بهم الأزمات، وبعد أن يفرج الله همهم وغمهم وكربهم، يعودون إلى ما كانوا عليه من قبل، فماذا يكون مصير البشرية بعد ذلك؟، إنها البطشة الكبرى، والانتقام من الله، وقفل باب التوبة بطلوع الشمس من مغربها، آية كبرى أخرى تؤذن بانتهاء الأمر، وقد أنذرهم الله الكثير من الآيات، إلا أنهم لم يتذكروا، فهناك من يدعون ربهم وقت الشدة، ثم يعودون إلى ما كانوا عليه من الغفلة بعد زوال الضر عنهم، قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (12) يونس. وقال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) (8) الزمر، أما الذين آمنوا فهم في ذكر دائم لله في كل أحوالهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ) (يونس:9).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (ارْتَقِبُوا آيَةَ الدُخَان)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ أَوْ خَاصَّةَ أَحَدِكُمْ أَوْ أَمْرَ الْعَامَّةِ»، فقَوله: «بادِروا بالأَعمالِ» أي: سارِعوا وسابِقوا بِالاشتِغالِ بالأَعمالِ الصَّالحةِ قبْلَ وُقوعِ ستِّ عَلاماتٍ تدُلُّ على قُربِ وُقوعِ يومِ القيامةِ، ففي ذلك دعوة إلى المبادرة والمسارعة في عمل الصالحات، قبل أن تقع الآيات، ويغلق باب التوبة، وهذا الأمر بالمبادرة يدل على عدم الركون والتسويف والتأجيل والتأخير، وخاصة في أمور الآخرة، فالموفَّق هو الذي يبادر ويسارع ويجدُّ، ويجتهد قبل أن تحيط به العوائق، وتمنعه الموانع، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْظُرُونَ إِلاَّ فَقْرًا مُنْسِيًا أَوْ غِنًى مُطْغِيًا أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ»
الدعاء