خطبة عن (اللَّهُ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ)
مايو 12, 2025الخطبة الأولى (اتباع الهوى: أضراره وأسبابه وعلاجه)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) (40)، (41) النازعات، وقال تعالى: (يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ص:26، وقال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) (43) الفرقان، وقال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (50) القصص، وقال تعالى: (وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام :119).
إخوة الإسلام
الهوى: هو مَيَلانُ النفس إلى ما تستلِذُّه من الشَّهَوات، من غيرِ داعيةِ الشَّرع، والهوى شيء مُلازِمٌ للإنسان، لا يستطيع مُفارقَتَه، فلا يُعاقَبُ عليه المرء إلاَّ عند العمل به، فإذا صدَّق ذلك بالعملِ؛ حُوسِبَ على هواه وعملِه، قال ابنُ تيمية -رحمه الله-: (نَفْسُ الهوى والشَّهوةِ لا يُعاقَب عليه؛ بل على اتباعِه والعملِ به، فإذا كانت النفسُ تَهْوَى، وهو ينهاها؛ كان نهيُه عِبادةً لله، وعملًا صالحًا). ومَنْ كانت هذه حاله فله الجزاء الحَسَن، قال سبحانه: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:40،41].
واتباع الهوى: هو إيثار ميل النفس إلى الشهوة، والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاص الله عزَّ وجلَّ، لذلك ما خالط الهوى شيئا إلا أفسده، فإن وقع في العلم، أخرجه إلى البدعة والضلالة، وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء، وإن وقع الهوى في الزهد، أخرج صاحبه إلى الرياء، ومخالفة السنة، وإن وقع في الحكم، أخرج صاحبه إلى الظلم، وصده عن الحق، وإن وقع في القسمة، خرجت عن قسمة العدل إلى الجور، وإن وقع في العبادة، خرجت عن أن تكون طاعة وقربة، وإن وقع في الولاية والعزل، أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين ،حيث يولي بهواه، ويعزل بهواه، وهكذا فما قارن الهوى شيئاً إلا أفسده، وهو يسري في القلب والأعضاء سريان السم، ولهذا فقد شبه الله عزَّ وجلَّ أتباع الهوى بأخس الحيوانات، فشبههم بالكلب تارة، قال سبحانه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:175،176]. وشبههم بالحمر تارة، قال سبحانه: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:49-51]. ومن اتبع هواه طبع الله على قلبه، قال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:16]. وقد ذم الله اتباع الهوى وحذر منه في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، ومنها، قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) الجاثية/23، وفي مسند البزار: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُهْلِكَاتُ ثَلاثٌ: إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ، وَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبِعٌ)، وفي سنن أبي داود: قال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ».
أيها المسلمون
واتباع الهوى ليس على درجة ومنزلة واحدة، فمنه ما يكون كفرا، أو شركا أكبر، ومنه ما يكون كبيرة من الكبائر، ومنه ما يكون صغيرة من الصغائر، فإن اتبع هواه حتى قاده إلى تكذيب الرسول، أو الاستهزاء به، أو الإعراض عنه – فهذا شرك أكبر، وإن اتبع هواه ففعل بدعة غير مكفّرة، فهو مبتدع، وإن اتبع هواه، ففعل كبيرة: كالزنا، أو شرب الخمر، من غير استحلال لها، فهو فاسق، وإن اتبع هواه ففعل صغيرة، فهو عاص، وهكذا، فاتباع الهوى؛ من أكبر الآفات التي تنأى بالعبد عن طريق الرحمن سبحانه، وتُبعِده عن صراطه المستقيم، وتُقرِّبه لسبيل الشيطان ودروبه،
ومن المعلوم أن سنة الله في إضلال من اتبع هواه تحققت في أقوام سابقة، وستمضي دائما في كل قوم يتبعون أهواءهم، ويحيدون عن الحق، فجميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله ورسوله، والهوى شر داء خالط القلوب، وشر إله عُبد في الأرض، وخير الناس من أخرج الشهوات من قلبه، وعصى هواه في طاعة ربه، ومن أطاع هواه أعطى عدوه مناه، والإنسان إذا كان كلما هوى شيئاً رَكِبه، وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى، فقد اتخذ إلهه هواه، وإذا تمكنت الشهوة من الإنسان، وملكته، وانقاد لها، كان كالبهائم أشبه منه بالناس، وقد قسَّم العلماء أمر الناس إلى قسمين: إما الاستجابة لله والرسول – صلى الله عليه وسلم -، وإما اتباع الهوى، فكل ما لم يأت به الرسول – صلى الله عليه وسلم – فهو من الهوى، ومن اتبع أحدهما لم يمكنه اتباع الآخر، فهما ضدان لا يجتمعان، والشيطان يطيف بالعبد من أين يدخل عليه، فلا يجد عليه مدخلاً، ولا إليه طريقاً، إلا من هواه، والذي يخالف هواه، يَفْرَقُ الشيطان من ظله، وإنما تطاق مخالفة الهوى بالرغبة في الله، والرغبة في ثوابه، والخوف من عقابه، والخشية من حجابه، ووجود حلاوة الشفاء في مخالفة الهوى. ومن الواضح أن اتباع الهوى نتيجة حتمية لتشرُّب القلب بالفتن، وتقبُّل الشهوات، والتشرُّف للشبهات، لذا؛ أغلق الشرع وسدَّ باب الذرائع، التي تؤدي للوقوع في الفتن والمحرَّمات والبدع والشركيات، فحرَّم النظرة التي تجرُّ للزنى، وحرَّم الخضوع بالقول، ولمس المرأة الذي نهايته الحرام، وحرَّم اتخاذ القبور مساجد، لأن نهايته الشرك بالله، وهكذا سدَّ الشرع على المسلم كل ذريعة لشر، حفاظًا على قلبه وعقيدته ،وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر من داء اتباع الهوى، وأخبرنا محذِّرًا عن سبيل منتهاه، قلوب لا تعرف معروفًا، ولا تُنكِر مُنكَرًا إلا ما أُشرِبَ من هواها، تلك القلوب بدأت بالتعرُّض للفتن، وانتهت بعبادة الهوى، فقد أخرج مسلم في صحيحه: (قَالَ حُذَيْفَةُ رضي الله عنه: “سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ»”.
أيها المسلمون
واتِّباع الهوى له أسبابٌ عِدَّة، تدعو الناسَ إليه، فمن أهمِّها: عدم التَّعوُّدِ على ضبط الهوى مُنذ الصِّغر؛ فقد يلقى الطفلُ من أبويه حُبًّا مُفرِطًا، فيُلَبِّيان له جميعَ رغباته، ويأتِيانه بكل ما يشتهيه ويتمنَّاه، لا يُفرِّقان بين حرامٍ وحلال، أو بين ممنوعٍ ومسموح، فينشأ الطفلُ على اتِّباع هواه، ومن أسباب اتباع الهوى: مُجالسةُ أهلِ الأهواءِ ومُصاحبتُهم؛ فمَنْ لازَمَ مُجالسةَ أهلِ الهوى، وأدام صُحبتَهم؛ فلا بد أنْ يتأثر بهم، قال أبو قلابة – رحمه الله -: (لا تُجالِسوا أصحابَ الأهواء؛ فإني لا آمَنُ أنْ يَغْمِسُوكم في ضلالَتِهم، أو يَلْبِسوا عليكم بعضَ ما تَعرِفون) ،ومن أسباب اتباع الهوى: المُسارَعَةُ إلى ما تشتهيه النَّفسُ من المُباحات؛ وقد كان أهل العلم يُرَبُّون طُلاَّبَهم على مخالفة ما تهواه أنفسُهم من المُباحات، لأنَّ النفسَ إذا عُوِّدَتْ على نَيل المباحات؛ فإنها تضعف أمامَ المُحرَّمات، ومن أسباب اتباع الهوى: حُبُّ الدنيا والرُّكونُ إليها؛ فإنَّ مَنْ أحبَّ الدنيا، ورَكَنَ إليها؛ تولَّدَ عنده سعي حثيث لتلبية كلِّ ما يشتهيه، وإنْ كان مُخالِفًا لشرع الله تعالى، ومن أسباب اتباع الهوى: الجهلُ بالعواقب المُترتِّبة على اتِّباع الهوى؛ فإن الجهل بعاقبة الشيءِ داعٍ إلى ممارسته.
ومن المعلوم أن للهوى أضرارا كثيرة وكبيرة، وعاجِلَةٌ وآجِلَة: فمن أعظمِ أضراره: خُسْرانُ الآخرة؛ قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:37-39]. قال أبو الدرداء – رضي الله عنه: (مَنْ كان الأجوفان هَمَّه؛ خَسِرَ مِيزانَه يوم القيامة). ويعني بالأجوفين: شهوةَ البطن، وشهوةَ الفرج، ومن أضرار الهوى: الضَّلال عن الهُدى، والهَوَان في الدنيا؛ قال تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الأعراف:175،176]. ومن أضرار الهوى: التَّفرُّق والاختلاف، وكثرةُ الشِّقاقِ والنِّزاع؛ قال ابنُ بطَّة – رحمه الله -: (أعاذنا اللهُ وإياكم من الآراء المُخترَعَة، والأهواءِ المُتَّبَعة، والمذاهبِ المُبتدعَة؛ فإنَّ أهلها خرجوا عن اجتماعٍ إلى شتات، وعن نظامٍ إلى تَفَرُّق، وعن أُنْسٍ إلى وحْشَة، وعن ائتلافٍ إلى اختلاف، وعن مَحبَّة إلى بُغض، وعن نَصيحةٍ ومُوالاةٍ إلى غِشِّ ومُعاداة، وعَصَمَنا وإياكم من الانتماء إلى كُلِّ اسمٍ خالَفَ الإسلامَ والسُّنة). ومن أضرار الهوى: فسادُ الرأي، والوقوعُ في التناقض؛ ولذا حذَّرنا اللهُ تعالى من طاعة صاحب الهوى؛ لأنه يتكلَّم بغير هُدًى، ويقع في الغفلة والعَمَى، قال تعالى: ﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف:28]. فصاحب الهوى قد يعِيبُ أمرًا ثم يفعله، قال ابنُ تيمية – رحمه الله -: (وصاحِبُ الهوى يُعمِيه الهوى ويُصِمُّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله؛ بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اتباع الهوى وأضراره)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أضرار الهوى: عدمُ الانتفاعِ بالقرآنِ والمَواعظ؛ لأنَّ الهوى يَصُدُّه عن فَهْمِ القرآن، والانتفاعِ بمواعظه وأحكامِه، قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ [محمد: :16]. ومن أضرار الهوى: أنه سببٌ لِذَهاب العَقلِ والعِلم؛ ومن أضراره: أنه مُهلِكٌ من المُهلِكات؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ مُهْلِكاتٌ: شُحٌ مُطاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وإِعْجابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ» رواه البيهقي. ومن أضراره: أنه سببٌ للابتداع في الدِّين؛ قال أبو عثمان النيسابوري – رحمه الله -: (مَنْ أمَّرَ السُّنةَ على نفسِه قولًا وفِعلًا؛ نَطَقَ بالحكمة، ومَنْ أمَّر الهوى على نفسه؛ نَطَقَ بالبدعة، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ [النور:54]. ومن أضراره: أنه يَصُدُّ عن قبول الحق، ويُزَيِّنُ الباطل؛ قال عليٌّ – رضي الله عنه: (إنَّمَا أَخَافُ عَلَيْكُمَ اثْنَتَيْنِ: طُولَ الأَمَلِ، وَاتِّبَاعَ الْهَوَى؛ فَإِنَّ طُولَ الأَمَلِ يُنْسِي الآخِرَةَ، وَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ). ومن أضرار الهوى: أنه موجب للعقوبة من الله: لأنه يؤدي بصاحبه إلى تزيين الباطل، والزهد في الحق، وتأليه الهوى، فيطبع على قلبه، ويختم على سمعه، ويجعل على بصره غشاوة، قال تعالى: ” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ” [الجاثية:23]، ومن أضرار الهوى: أنه يورث الكبر والعجب فيزري بصاحبه أمام الآخرين، لا سيما أهل الصدق والعدل، ويكون مستثقلاً عندهم ممقوتًا في نفوسهم لما يرونه فيه من المخالفة للحق والتكبر عن اتباعه وإعجاب صاحبه برأيه وهواه. ومن أضرار الهوى: أنه سبب في ظلم العبد لنفسه، ولغيره، فيظلم نفسه: بارتكابه ما حرم الله، وإعراضه عما أمر الله به، ويظلم غيره: بالبغي والعدوان في أقواله وأفعاله. ومن أضرار الهوى: أنه سبب للهموم والأحزان: يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «من اتبع هواه في مثل طلب الرئاسة والعلو، وتعلقه بالصور الجميلة، أو جمعه للمال يجد في أثناء ذلك من الهموم والغموم والأحزان والآلام وضيق الصدر ما لا يعبر عنه وربما لا يطاوعه قلبه على ترك الهوى، ولا يحصل له ما يسره، بل هو في خوف وحزن دائمًا: إن كان طالبًا لما يهواه فهو قبل إدراكه حزين متألم حيث لم يحصل، فإذا أدركه كان خائفًا من زواله وفراقه»
أيها المسلمون
وإذا كان اتباع الهوى داءً، فللداء دواء، فعلاج اتباع الهوى بسبعة أمور: أحدها: التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى، وإنما خلق لعبادة الله، والنظر في العواقب، والعمل للآجل، فلو كان نيل المشتهى فضيلة، لما بخس الإنسان منه، وزاد عن حظ البهائم، وفي توفير حظ الإنسان من العقل، وبخس حظه من الهوى، دليل على فضل هذا وذاك. ومن علاج اتباع الهوى: التفكر في فائدة مخالفة الهوى، من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا، وسلامة النفس والعرض، والأجر في الآخرة. ومن علاج اتباع الهوى: التفكر في حقيقة ما يناله باتباعه هواه من اللذات والشهوات، فإن العقل سيخبره أنه ليس بشيء، ولكن عين الهوى عمياء. ومن علاج اتباع الهوى: التدبر لما يحصل له من عز الغلبة إن ملك نفسه، وذل القهر إن غلبته، فمن غلب هواه عز، ومن غلبه هواه ذل. ومن علاج اتباع الهوى: التفكر في عواقب الهوى، فكم فوت من فضيلة، وكم أوقع في رذيلة مع الإثم. ومن علاج اتباع الهوى: تصور العاقل لانقضاء غرضه من هواه، فسيرى أن ما حصل له من الأذى يربو على اتباع الهوى أضعافاً مضاعفة. ومن علاج اتباع الهوى: تصور عاقبة ذلك في حق غيره، فعندئذ سيرى ما يعلم به عيب نفسه إن هو وقف في ذلك المقام وارتكس في هذه الآثام.
الدعاء