خطبة عن (فِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ) مختصرة1
أغسطس 27, 2025خطبة عن (البشارة بالنبي محمد) (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)
أغسطس 27, 2025الخطبة الأولى (إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (107) الأنبياء، وروى مسلم في صحيحه: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» ، وروى الدارمي في سننه وصححه الألباني: (عن أبي هريرة: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُنَادِيهِمْ :«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».
إخوة الإسلام
لقد بعثَ الله سبحانه وتعالى النبيّ محمدا صلى الله عليه وسلم ليُخْرِجَ الناسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فكانَ صلى الله عليه وسلم رحْمةً مُهْداةً للعالَمين، يَحْنو على الكَبيرِ، ويرْحَمُ الصَّغيرَ، ويُواسي الكَسيرَ، يشْعُرُ بمَنْ حوْلَه، ويهْتَمُّ به اهتمامًا بالغًا، ومِن كمالِ رحْمتِهِ صلى الله عليه وسلم انْسابَتْ من فَمِهِ الشَّريفِ هذه الكلِماتُ، التي يقولُ فيها: “إنَّما أنا رَحْمةٌ مُهْداةٌ”، أي: أنا هدية، أهْداني اللهُ للناسِ؛ فجَعَلَني سببًا لأنْ يَدْخُلوا في رحْمته سُبْحانَهُ، ولأَدُلَّهم على سبل النَّجاةِ، وأُجَنِّبَهم مَسالِكَ الهلاكِ؛ فمَنْ قَبِلَ رحْمةَ اللهِ وهَديَّتَه فقد فازَ وأفْلَحَ، ومَنْ رَدَّها فقد خابَ وخَسِرَ، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، فهو ليس رحمةً للمسلمين أو للمؤمنين فقط، بل هو رحمة للعالمين؛ عالم الإنس، وعالم الجن، وعمومُ العالَمين حصَل لهم النفعُ برسالتِه؛ فأتْباعُه نالوا به كرامةَ الدُّنيا والآخِرَة، والمحارِبون له تعجيلُ موتِهم خيرٌ لهم مِن طولِ أعمارِهم في الكُفرِ، وإنَّهم لا يُعذَّبون وهو بين أظْهُرِهم كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33]، والمعاهِدونَ له عاشوا في الدُّنيا تحتَ ظِلِّه وعهدِه وذِمَّتِه، والمنافِقون حصَل لهم بإظهارِ الإيمانِ به حَقنُ دِمائِهم وأموالِهم وأهلِهم وجرَتْ أحكامُ المُسلِمينَ عليهم، والأممُ البَعيدةُ عنه رُفِعَ عنها بسببِه العذابُ العامُّ عن أهل الأرضِ؛ أما المؤمنون، فاختُصُّوا بالرأفة مع الرحمة؛ فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128]. فكان صلى الله عليه وسلم رَحْمةً مُهداةً، وفي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى لله عليه وسلم: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي»
أيها المسلمون
ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم بأُمَّته: ادِّخاره لدعوة مستجابة لأمته يوم القيامة: ففي صحيح مسلم: (عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لأُمَّتِي يوم الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا)، ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأُمَّته: أنه خطب ذات يوم بالناس، فقال كما في مسند أحمد: (أَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي سَبَبْتُهُ سَبَّةً، أو لَعَنْتُهُ لَعْنَةً في غَضَبِي؛ فَإِنَّمَا أَنَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ؛ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُونَ؛ وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ؛ فَاجْعَلْهَا عليهم صَلاَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأُمَّته: ما رواه مسلم في صحيحه: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبي صلى لله عليه وسلم تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّى} [إبراهيم:36] الآيَةَ. وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118], فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ « اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ». وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ – وَرَبُّكَ أَعْلَمُ – فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى لله عليه وسلم بِمَا قَالَ – وَهُوَ أَعْلَمُ – فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوؤكَ)، وما رواه أحمد وصححه الألباني: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صلى لله عليه وسلم: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، وَنُؤْمِنُ بِكَ، قَالَ: “وَتَفْعَلُونَ؟ ” قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: “إِنَّ رَبَّكَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَهُمُ الصَّفَا ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَذَّبْتُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ”، قَالَ: “بَلْ بَابُ التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ)
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بأصحابه: أنه كان صلى الله عليه وسلم يحب أصحابه ويحنو عليهم، ويفيض عليهم رحمة وشفقة، ولذلك شواهد كثيرة منها: (فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللهِ صلى لله عليه وسلم وَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ) رواه البخاري ومسلم، (وعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى لله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: (ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ) رواه البخاري ومسلم
ومن رحمته بالأطفال والصبيان: ما رواه البخاري ومسلم: (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى لله عليه وسلم فَقَالَ: أَتُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى لله عليه وسلم: (أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ)
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوان: ما رواه أبو داود وصححه الألباني: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : دَخَلَ رسول الله صلى لله عليه وسلم حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى لله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِي صلى لله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ فَقَالَ: (مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟)، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ :(أَفَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَى إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ)
وقد كانت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورقة قلبه واسعة، فلم تقتصر على الآدمي العاقل، بل تجاوزت ذلك إلى غير الآدميين: (فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى لله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلَامًا نَجَّارًا، قَالَ: إِنْ شِئْتِ ، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى لله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى لله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ، حَتَّى اسْتَقَرَّتْ، قَالَ: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ) رواه البخاري، وتأمل معي قوله: (فَنَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ).
أيها المسلمون
ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم: مراعاته لأحوال الكبار والصغار، والمرضى والضعفاء: ففي الصحيحين: (عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صَلَّى أحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ؛ فإنَّ منهم الضَّعِيفَ، وَالسَّقِيمَ، وَالْكَبِيرَ، وإذا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ ما شَاءَ)، وفي صحيح البخاري: (عن أبي قَتَادَةَ رضي الله عنه؛ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (إِنِّي لأَقُومُ في الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فيها، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ في صَلاَتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ)، وفي الصحيحين: (عن أبي قَتَادَةَ رضي الله عنه قال: (خَرَجَ عَلَيْنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَامَةُ بِنْتُ أبي الْعَاصِ على عَاتِقِهِ فَصَلَّى، فإذا رَكَعَ وَضَعَها، وإذا رَفَعَ رَفَعَهَا)، وفي ذلك دليل على كمال لطفه وشفقته صلى الله عليه وسلم بأمته، ورفقه بالمأمومين وسائر الاتباع من الكبار والصغار، والمرضى والضعفاء، ومراعاة مصلحتهم، وأن لا يدخل عليهم ما يشق عليهم.
وكم تتجلى مشاعر الرحمة والشفقة في هذه المواقف التي تتجلي فيها محبة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته: (فعَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى لله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ صلى لله عليه وسلم فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بِمَالٍ، وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ لِخَدِيجَةَ، أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا. قَالَتْ: فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى لله عليه وسلم، رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: “إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا، فَافْعَلُوا” فَقَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَطْلَقُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا) رواه أبو داود وحسنه الألباني،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن مواقف الرحمة في حياة النبي: ما جاء في صحيح مسلم: (عن أبي رِفَاعَةَ قال: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِي صلى لله عليه وسلم وهُوَ يَخْطُبُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لاَ يَدْرِى مَا دِينُهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّه صلى لله عليه وسلم وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِي بِكُرْسِيٍ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا، قَالَ: فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى لله عليه وسلم ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا)، وفي الصحيحين: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى لله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ – يعني الحداد – وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى لله عليه وسلم إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللهِ صلى لله عليه وسلم تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟! فَقَالَ: (يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ) ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ صلى لله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِي صلى لله عليه وسلم يَؤُمُّ النَّاسَ وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى الْعَاصِ وَهْىَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِي صلى لله عليه وسلم عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ أَعَادَهَا)، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيءٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَقَالَ: (يَا أُمَّ فُلاَنٍ انْظُرِي أَي السِّكَكِ شِئْتِ حَتَّى أَقْضِىَ لَكِ حَاجَتَكِ)، فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا)
وكما كان صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة فقد جاء بالحنيفية السمحاء، ومن صور الرحمة في شريعته: ما أحله الله صلى الله عليه وسلم لأمته من الطيبات، وحرمه عليهم من الخبائث، وبما وضع عنهم من الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الأعراف:157.
الدعاء