خطبة عن الانفاق على الفقراء والمساكين ، وحديث ( لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِى يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ)
أبريل 26, 2025الخطبة الأولى (أحوال الفتن وسبل النجاة)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه: (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: اجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ)
إخوة الإسلام
لقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه ويعظهم، وكان يُحذِّرُ أمته من فِتَن آخِرِ الزَّمانِ، ويبين لهم (أحوال هذه الفتن وسبل النجاة)، والمتدبر لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم يتبين له أن فتن آخر الزمان تأتي على أحوال ثلاث: الأولى: «تَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا». أي: يجعَلُ بعضُها بعضًا دقيقًا وخفيفًا، فكأنَّ كلَّ فِتنةٍ تكونُ أصعَبَ ممَّا قبْلَها، حتَّى يَرى النَّاسُ الفتنةَ الأُولى أنَّها خَفيفةٌ بالنِّسبةِ للَّتي بعدها. والثانية: «تَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ». أي: يقول المسلم: هذه الفتنةُ مَحلُّ هَلاكي، أو زَمانُه، “ثمَّ تنكشِفُ”، أي: تزولُ تلك الفتنةُ عنه، “ثمَّ تَجيءُ”، أي: فِتنةٌ أُخرى، “فيقولُ: هذه مُهْلِكتي، ثمَّ تنكشِفُ، والثالثة: «تَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ». يعني: هذه ستهلكني، أو هذه الفتنة الحقيقية، وهذه الفتنة العظيمة، وهذه الفتنة الكبيرة وهكذا،
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الفتن في أحاديث متعددة، ليتعرف عليها الناس، ويحذروا الوقوع فيها، ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ أَلاَ ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا أَلاَ فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ ». قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلاَ غَنَمٌ وَلاَ أَرْضٌ قَالَ «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لْيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ». قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي قَالَ «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»، ومنها ما جاء في صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ «مِنْهُنَّ ثَلاَثٌ لاَ يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ». وفي صحيح ابن حبان: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستكون فتن كرياح الصيف القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي من استشرف لها استشرفته)، وفي مسند أحمد: (قَالَ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ في فِتْنَةٍ تَثُورُ فِي أَقْطَارِ الأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ»، أي: قُرون – بقرٍ)، وهذه الفتن تعوج فيها عُقول الرجال، حتى ما تَكاد ترى فيها رجُلاً عاقِلاً، وهي فتن لا تكونُ بعدها جماعة؛ وتُرفَع فيها الأصوات، وتَشخَص فيها الأبصار، وتُذهَل فيها العقول، ويذهب معها الإيمان، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»، وفي “سنن أبي داود” (عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (ستكونُ فتنةٌ عَمياء بَكماء صمَّاء، مَن أشرَفَ لها استشرفَتْ له، وإشرافُ اللسان فيها كوقْع السَّيف).
أيها المسلمون
وبعدما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فتن آخر الزمان، ووصفها وصفا دقيقا، وحذر منها، فقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم سبل النجاة من هذه الفتن، وذلك كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَر»،
ففي هذا الحديث بين صلى الله عليه وسلم أن سبل النجاة من الفتن تكون ثلاثًا: السبيل الأولى: تحقيق ركن الإيمان بالله واليوم الآخر، بدلالة قوله: «فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ». والسبيل الثانية: معاملة الناس بما يحب أن يعامَلَ به بدلالة قوله: «وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ»، فهذا «مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ صلى الله عليه وسلم وَبَدِيعِ حِكَمِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ فَيَنْبَغِي الاعْتِنَاءُ بِهَا، وَأَنَّ الإِنْسَانَ يلزم أن لا يَفْعَلَ مَعَ النَّاسِ إِلا مَا يُحِبُّ أَنْ يَفْعَلُوهُ مَعَهُ»، والسبيل الثالثة: «وجوب الوفاء ببيعة الخليفة الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، بدلالة قوله: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَر»، ومَعْنَاهُ-كما ذكر الإمام النووي-: «ادْفَعُوا الثَّانِيَ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَلَى الإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إِلا بِحَرْبٍ وَقِتَالٍ فَقَاتِلُوهُ، فَإِنْ دَعَتِ الْمُقَاتَلَةُ إِلَى قَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ وَلا ضَمَانَ فِيهِ؛ لأَنَّهُ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ فِي قتاله»
وفي عدة أحاديث أخرى بين صلى الله عليه وسلم أن من سبل النجاة من الفتن: لزوم جماعة المسلمين، والأخذ بما عليه مجموعهم العام؛ فإنَّ الخير والحق يكون غالبًا مع الجماعة، بما فيها من أهل رأي وخبرة، وأهل علم، وعامة المسلمين، ففي الصحيحين: (أن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ «نَعَمْ». قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ». قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ». قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. قَالَ « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»، والمقصودُ بجماعة المسلمين: سوادُهم الأعظمُ ومجموعهم الملتزمون بالسّنّة، أو المجتمعون على إمامٍ يُطبِّق فيهم شرعَ الله. فمهما كان في الانفرادِ والوحدة من خير، فإنَّ الخير الأقل مع الجماعة أفضل وأصوب.
ومن سبل النجاة من الفتن: الاعتصامُ بالكتاب والسنّة: ففي صحيح مسلم: (وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ). وفي سنن الترمذي وغيره: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي». وفي المستدرك للحاكم: (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)، فالاعتصام بالكتاب والسنة، وعمل أهل بيت رسول الله من المؤمنين سبب للنجاة من الفتن، والسلامة من الشقاق والافتراق، كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء:59].
ومن سبل النجاة من الفتن: الابتعاد عن مواطِن الفتَن، ومجانبة أسبابها، والفِرار عن مواقعِها، خاصّة عامّة المسلمين، كما قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال:25]، وفي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ»، فالبعد عن مواطن الفتن أسلم للإنسان؛ فإنه لا يأمن على نفسه حينما يقترب منها، ويرى بريقها، وفي الصحيحين: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ»
ومن سبل النجاة من الفتن: الصّبر والحلم وعدم العَجلة، فبذلك تتقى الشرور وتَخْمدُ الفتن، ويُقطع الطريق أمام المتربِّصين، يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:153].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أحوال الفتن وسبل النجاة)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن سبل النجاة من الفتن: الرجوعُ إلى العلماء الربانيّين الصادقين، أهل البصيرة والنظر في مقاصد الشريعة، ومآلات الأمور، وسؤالهم، والأخذ عنهم، قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء:83]، فإن الفتن والحوادث قد تشتبه على عامة الناس، ولاسيما الشباب، فيسارعوا بحسن قصد وحماس إلى فعل أمور لا تحمد عقباها.
ومن سبل النجاة من الفتن: الاستعاذة بالله من الفتن، واللجوء إليه سبحانه، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتعوذوا بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وكان من دعائه كما في سنن الترمذي وغيره: (وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ)، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةَ قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ) المقصود من هذا الدعاء: سلامة العبد من فتن الحياة مدة حياته.
أيها المسلمون
ولشدَّة هذا البلاء الذي يصيب هذه الأمة، ولعظم هذه الفتن التي تتوالى عليها، وما يحتاجه المسلم من صبرٍ ومكابدةٍ، فإنَّ الأجر المترتِّب عليه كبير وعظيم؛ ففي سنن أبي داود: (قَالَ أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ – يَعْنِي بِنَفْسِكَ – وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ». وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ «أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ».
الدعاء